كانت انتفاضة نوفمبر ۲۰۱۹ تجلياً لعزم الشعب الإيراني على إسقاط النظام القمعي. مع ارتفاع أسعار البنزين المفاجئ في 15 نوفمبر ۲۰۱۹، انتشرت الاحتجاجات بسرعة في ۱۹۱ مدينة. خرج الشعب الإيراني من مختلف فئات المجتمع إلى الشوارع، مرددين شعارات مثل «الموت لخامنئي» و«الموت لروحاني». في شيراز، بهبهان، محافظة طهران ومدن أخرى كبيرة، تمكن المحتجون من تحرير مناطق مؤقتاً، متحدين القوات الأمنية ومربكين سيطرة النظام.
اعترفت السلطات بأن قواتها كانت تتصدى لهذه الانتفاضة في ۹۰۰ نقطة في مختلف أنحاء البلاد، وأفادت بوجود ۱۴۶ نقطة أزمة في طهران وحدها.
الدور القيادي للنساء في الانتفاضة
لعبت النساء دوراً محورياً في تنظيم وقيادة هذه الاحتجاجات. وكانت النساء الشابات والشجاعات، اللواتي كن عضوات في معاقل الانتفاضة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، يدعين الناس للمشاركة في الاحتجاجات.
كتبت صحيفة ”مشرق“ الحكومية عن دور النساء قائلة: «في الشرارات الأخيرة، كان لقيادة النساء دور بارز، ولعبن دوراً خاصاً في دفع الناس إلى اتخاذ خطوات خارجة عن إطار النظام» (صحيفة مشرق الحكومية – ۲۹ نوفمبر ۲۰۱۹).
كما نشرت وكالة أنباء ”فارس“ الحكومية تعليقاً حول هذا الدور وقالت: «بعض النساء يلعبن دوراً محورياً في قيادة هذه الفوضى» وأضافت: «دور النساء القيادي في الاضطرابات الأخيرة لافت للنظر. في عدة نقاط، خاصة في ضواحي طهران، تقوم النساء، اللواتي تتراوح أعمارهن بين ۳۰ و ۳۵ عاماً، بدور رئيسي في قيادة الاضطرابات… يرتدين زياً موحداً، ولكل واحدة منهن دور محدد؛ إحداهن تقوم بتصوير الأحداث، وأخرى تعيق حركة السيارات، وثالثة تحث الناس على الانضمام إلى صفوف الاضطرابات» (وكالة أنباء فارس الحكومية – ۲0 نوفمبر ۲۰۱۹).
هناك العديد من القصص عن شجاعة النساء؛ أحد المتظاهرين المصابين روى كيف أن فتاة تبلغ من العمر ۱۸ عاماً أنقذته بدراجتها النارية، بينما كانت النساء الأكبر سناً يعدن الطعام للموجودين في الصفوف الأمامية. وأصبحت مشاركة نساء مثل شبنم دياني، حليمة سميري ونيكتا اسفنداني في مدن مختلفة من إيران رمزاً للصمود، المقاومة والتضحية.
شبنم دياني: صوت المقاومة في شيراز
كانت شبنم دياني عضوة في معاقل الانتفاضة التابعة لمجاهدي خلق في شيراز، وقد فقدت عمها في إعدامات عام 1981في مدينة بهبهان. في 16 نوفمبر ۲۰۱۹، قُتلت شبنم دياني في حي ”معاليآباد“ بشيراز خلال قمع المتظاهرين من قِبل النظام. كانت ضمن ١٢ شخصاً من ضحايا قوات الباسيج التابعة لخامنئي، حيث دهستهم السيارات وأطلقت النار على المحتجين. تعرضت عائلتها لضغوط من النظام لإعلان أن مقتلها كانت نتيجة حادث، ولإجبارهم على استخدام شاهد قبر أبيض، رمز النظام. لكن عائلتها اختارت وضع شاهد قبر أسود كرمز للمقاومة ورفضت هذه الضغوط.

مريم نوري: رمز ملهم للانتفاضة في رباط كريم
في مدينة رباط كريم، لعبت مريم نوري وشقيقها مرتضى، وهما من أعضاء وحدات الانتفاضة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية ، دوراً مهماً. أثناء الاحتجاجات، تحررت المدينة مؤقتاً، وفي النهاية أُصيبت مريم برصاص قوات الأمن داخل مبنى المحافظة. شجاعتها تركت أثراً عميقاً على نساء رباط كريم، وألهمت الكثير منهن للانضمام إلى النضال ضد القمع.
حليمة سميري: القتل تحت التعذيب من أجل الحرية
كان مقتل حليمة سميري المؤلم في مدينة آبادان مثالاً على قسوة القمع في نوفمبر ۲۰۱۹. هذه المرأة البالغة من العمر ۳۴ عاماً من خوزستان اعتُقلت في الأيام الأولى من الاحتجاجات، وتم العثور على جثتها المعذبة أمام منزل والدها لاحقاً. تعرضت مناطق في خوزستان، بما في ذلك ماهشهر، لقمع وحشي غير مسبوق حيث أطلقت القوات الأمنية النار حتى على المتظاهرين الذين لجؤوا إلى الأهوار.

نيكتا اسفنداني: رمز الانتفاضة
أصبحت نيكتا اسفنداني، الفتاة البالغة من العمر ١٤ عاماً من طهران، رمزاً للضحايا الأبرياء في الانتفاضة. كانت مهتمة بالموسيقى، وقتلتها قوات الأمن برصاصة في رأسها في شارع ”ستارخان“ بطهران. شكلت مقتلها نقطة تلاحم بين المتظاهرين، وأظهرت تجاهل النظام لحياة الشباب ومستقبل إيران.
الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان
جاء رد النظام الإيراني على الانتفاضة وحشيًّا للغاية؛ فعندما لم تفلح قنابل الغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه، وعناصر الأمن بلباس مدني في قمع شجاعة الشباب المحتجين، أصدر خامنئي أوامره بإطلاق النار المباشر. أطلقت القوات الأمنية النار على رؤوس وصدور المتظاهرين لزيادة أعداد القتلى بشكل متعمد وبث الرعب.
شنت السلطات موجة اعتقالات واسعة في مختلف أنحاء البلاد، وهاجمت المستشفيات لاعتقال الجرحى، وسحبت جثث القتلى من المشارح، وتم التلاعب بوثائق الطب الشرعي لإخفاء حجم المجازر. في مدينة ماهشهر، استخدم قوات الحرس التابعة لخامنئي حتى الدبابات، مما هزّ المجتمع الإيراني.
في نهاية الأمر، قُتل ما لا يقل عن ١٥٠٠ شخص من بينهم ٤٠٠ امرأة، وأصيب الآلاف، وتم اعتقال أكثر من ١٢ ألف شخص تعرض كثير منهم للتعذيب في زنازين مكتظة دون رعاية طبية كافية أو الوصول إلى محامٍ.
جريمة ضد الإنسانية: إدانة دولية
أثارت وحشية النظام الإيراني إدانة دولية واسعة. أدانت ميشيل باشليه، المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هذا العنف بوصفه «جريمة ضد الإنسانية»، وأشارت إلى أدلة على استهداف قوات الأمن للمتظاهرين غير المسلحين بهدف القتل وإصابتهم بجروح قاتلة. وأعربت باشليه عن قلقها العميق إزاء «انعدام الشفافية بشأن عدد القتلى وطريقة معاملة آلاف المعتقلين»، مشيرةً إلى تعرضهم لانتهاكات جسدية شديدة وحرمانهم من إجراءات المحاكمة العادلة.
وأشارت باشليه إلى حالات قامت فيها قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين الفارين مستهدفةً نقاطاً حساسة من أجسامهم لزيادة عدد القتلى. ودعت النظام الإيراني إلى إجراء تحقيقات مستقلة في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما وثقت منظمة العفو الدولية هذه الجرائم في تقريرها تحت عنوان «سحق الإنسانية: الاعتقالات الجماعية، والاختفاء القسري، والتعذيب منذ احتجاجات نوفمبر ۲۰۱۹». ووصف التقرير ممارسات النظام الإيراني بأنها «قائمة صادمة من الانتهاكات لحقوق الإنسان».
سجلت العفو الدولية شهادات عن التعذيب والمعاملة غير الإنسانية للمعتقلين، بما في ذلك الضرب، والصدمات الكهربائية، والإعدامات الوهمية، والعنف الجنسي، والإجبار على تناول مواد كيميائية.
وكشفت النتائج أن المعتقلين تعرضوا للحبس الانفرادي لفترات طويلة، وتم تغطية رؤوسهم بالأكياس، وتقييد أيديهم وتعصيب أعينهم بشكل ممنهج، وحرموا من الوصول إلى محامين.
واتهمت العفو الدولية النظام القضائي الإيراني بالتواطؤ في هذه الجرائم، ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة هذه الأفعال.
كما طالبت ديانا الطحاوي، نائبة رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، المجتمع الدولي بمحاسبة السلطات الإيرانية على هذه الجرائم، ودعت إلى دعم العائلات الإيرانية التي تطالب بالعدالة لأبنائها.

نضال مستمر من أجل الحرية
رغم هذا القمع الوحشي، ما زالت النساء الإيرانيات ثابتات في نضالهن من أجل الحرية. منذ انتفاضة نوفمبر ۲۰۱۹، اشتد خوف النظام من قيادة النساء، ويظهر ذلك في زيادة الرقابة والاعتقالات ومضايقات الناشطات. ومع ذلك، فإن شجاعة النساء مثل شبنم دياني، حليمة سميري، ونيكتا اسفنداني أطلقت حركة لا تتخلى عن النضال.
لقد أثبتت النساء الإيرانيات، في مواجهة نظام قمعهن لعقود، أنهن قوة لا تقهر وعامل أساسي للتغيير. ورغم المخاطر العديدة التي قد تصاحب الطريق القادم، تقف النساء الإيرانيات، وهن يستمدن العزم من تجارب الماضي وإرادة حديدية لتحقيق مستقبل أفضل، في طليعة هذا الحراك، ويجسدن روح المقاومة والعزيمة على إحداث تغيير حقيقي.
انتفاضة نوفمبر ۲۰۱۹ لم تكن سوى فصل واحد من النضال الطويل للشعب الإيراني ضد الاستبداد، وكانت النساء في الصفوف الأمامية لهذا الكفاح. لقد لفتت تضحياتهن انتباه العالم إلى انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام، ودعت إلى تحرك دولي لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
المطالبة بالعدالة والمساءلة
أظهرت انتفاضة نوفمبر ۲۰۱۹ أن النظام الإيراني مستعد لاستخدام أي وسيلة لقمع الاحتجاجات، لكنها كشفت أيضًا عن إرادة الشعب الإيراني التي لا تقهر.
يمثل هذا الذكرى نداءً للمجتمع الدولي لدعم نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية. إن مجزرة المتظاهرين الإيرانيين تستدعي العدالة ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
النساء الإيرانيات، سواء كن شهيدات أو سجينات، سواء في السجون أو في الميادين، يدعون إلى إقامة إيران حرة وديمقراطية. إنهن مصدر إلهام لمواصلة النضال ضد الاستبداد والظلم. روح الكفاح وعدم الاستسلام التي أظهرتها النساء الإيرانيات في انتفاضة نوفمبر ۲۰۱۹ وما بعدها تحمل رسالة بسيطة وواضحة وقوية: سينتصر الشعب الإيراني.




















