الوضع الاقتصادي للمرأة في إيران: تأثير التضخم وارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية عشية عيد النوروز
حلّ عيد النوروز في 20 مارس، وبدأ العام الإيراني الجديد. وعيد النوروز، بوصفه أضخم احتفال وطني في إيران، فهو وقت تجتمع فيه الأسر لإنفاق المال على مستلزماتها، وملابسها الجديدة، وموادها الغذائية. بيد أن المرأة الإيرانية واجهت هذا العام، عشية حلول عيد النوروز، تحديات اقتصادية لم تشهد لها مثيلًا.
إن التضخم الجامح، المستمر في أسعار السلع، والانحدار المتسارع لقيمة العملة الوطنية، كلها عوامل أدت إلى تقويض القدرة الشرائية للمواطنين، ولا سيما المرأة، تقويضًا شديدًا، وجعلت الحياة اليومية للمرأة، خاصة في الطبقتين المتوسطة والدنيا، مليئة بتحديات جمة، أبرزها العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة. هذا الوضع يلقي بعبء مضاعف على عاتق المرأة التي تتحمل مسؤولية التدبير المالي للأسرة وتأمين ضروريات الحياة اليومية، فما بالك بالمرأة المعيلة التي تقع في أفقر شرائح المجتمع، وتحمل وحدها أعباء كافة متطلبات أسرتها دون امتلاك فرص عمل لائقة. لقد بلغ الأمر سوءاً لدرجة أن بعض المريضات من ذوي الحصص الدوائية يضطررن لبيعها، بل إن ثمة من يبعن أعضاء أجسادهن سعيًا وراء لقمة العيش.
في خضمّ أوضاع تضطلع فيها المرأة بدور محوري في صون تقاليد النوروز، كشراء الملابس الجديدة وإعداد مائدة الهفت سين، نجد أن وطأة الغلاء الفاحش قد حوّلت هذه الواجبات إلى تحديات جسيمة. ومن جهة أخرى، فإن تفشي الفساد الحكومي على نطاق واسع، كتهريب 20,000,000 لتر من النفط يوميًا إلى خارج البلاد، يستنزف موارد البلاد ويُعمّق هذه الأزمة إلى حد كبير.
ذكرت وكالة “إيرنا” للأنباء التابعة لنظام الملالي في هذا الصدد: “أن سوق عشية العيد في طهران ليس على النحو المتوقَّع، فالمتاجر ليست غاصة بالزبائن، والأيدي ليست مُثقلة بأكياس التسوق، والأطفال ليسوا مبتهجين بشراء الملابس والأدوات الجديدة، والتجار ليسوا مُنهكين من كثرة الرد على العملاء. امرأة تعبر أمام المتاجر خاوية اليدين، وتتجه ببصرها نحو الباعة المتجولين، وتقول: ‘تتوق نفسي للذهاب والشراء من كل هذا، إنها ليلة العيد، ولكني جئت للمشاهدة فحسب، أُحب ازدحام السوق، لكن الشراء يتطلب مالًا، مالًا وفيرًا، ولكن لا يوجد في جيبي ما يكفي حاليًا.” (وكالة “إيرنا” للأنباء – 16 مارس 2025).

الوضع الاقتصادي في إيران وتأثيره على المرأة
وطأة التضخم وارتفاع الأسعار
لقد واجهت إيران في السنوات الأخيرة تضخمًا مستفحلًا، تضخمًا فتاكًا أضنى كاهل المواطنين وجعل تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة، كالغذاء والكساء والمأوى والتعليم والرعاية الصحية، ضربًا من المحال.
استنادًا إلى تقرير مركز الإحصاء الإيراني لعام 2024، فقد تجاوز معدل التضخم 40 بالمئة، وشهدت أسعار السلع الأساسية، كالمواد الغذائية والملابس والمساكن، ارتفاعًا مطردًا. ومع اقتراب عيد النوروز، حيث يرتفع الطلب على الشراء، تزداد حدة هذا الغلاء. فعلى سبيل المثال، بلغ سعر لحم الضأن في عام 2025 أكثر من 600,000 تومان للكيلوغرام الواحد، وارتفع سعر الأرز الإيراني من 100,000 تومان للكيلوغرام الواحد في العام الماضي إلى أكثر من 150 ألف تومان.
تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمرأة
لقد لحق بالمرأة، ولا سيما المرأة المعيلة أو التي تضطلع بتدبير شؤون المنزل المادية؛ أشد الضرر جراء هذا الوضع. فقد قصم الغلاء الفاحش للأصناف والسلع والتضخم في عشية العيد ظهر المواطنين؛ وسيتحمل وطأة هذا العبء الاقتصادي الأكبر الطبقتان الدنيا والمتوسطة. (وكالة “ركنا” للأنباء – 11 مارس 2025).
إن المرأة في هذه الشرائح، غالبًا ما تكون لديها دخل ثابت أو محدود، ولم تعد ميزانيتها تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية. “لقد أفضى التضخم الجامح بالناس إلى أتون أزمة وكآبة حادة، حتى أن الطبقة العاملة والضعيفة في المجتمع، بل وحتى الطبقة المتوسطة، باتت عاجزة عن تلبية نفقات احتياجاتها الأساسية.” (صحيفة “اعتماد” – 11 مارس 2025).

آفة الفساد الحكومي وتداعياتها على الاقتصاد
اختلاسات جسيمة واستنزاف للموارد
على الرغم من أن نظام الملالي ووسائل الإعلام الحكومية يحاولون ربط الوضع الاقتصادي المتدهور بالعقوبات، إلا أن السبب الرئيسي لهذا التدهور هو الفساد الواسع النطاق في المستويات العليا من الحكم.
أفاد ناشط إعلامي في تقرير له بأنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، ورد إلى إيران ما يزيد على 81,000 كيلوغرام من الذهب، لم يُعرض منها في الأسواق سوى 15,805 كيلوغرامًا فقط. (وكالة “اقتصاد أونلاين” الاقتصادية – 6 مارس 2025).
وأضاف الناشط أيضًا أن البنك المركزي، من خلال بيع العملات الذهبية في السوق، حقق دخلًا يقدر، في أحسن الأحوال، بنحو 5000 إلى 6000 مليار تومان.
على الرغم من أن البنك المركزي نفى هذا الادعاء ورفع دعوى قضائية ضد هذا الناشط الإعلامي، إلا أن مثل هذه الاختلاسات ليست نادرة في نظام الملالي. ففي النظام الاقتصادي الخاضع بالكامل لسيطرة خامنئي والحرس الثوري، ينهب أصحاب السلطة الثروة والموارد الوطنية بكثرة. ومن الأمثلة على ذلك اختفاء وتهريب 20,000,000 لتر من النفط يوميًا من البلاد، وهو ما اعترف به رئيس جمهورية نظام الملالي، مسعود بزشكيان، عدة مرات في محاولة للتنصل من أزمة نقص المياه والكهرباء والغاز والبنزين.
لكن الجميع يعلم أن أيادي أصحاب السلطة هي المتورطة في ذلك، ولا يمكن لأي ناقل وقود أو عتّال أن يهرّب 20,000,000 لتر من النفط يوميًا خارج البلاد.
تأثير الفساد على التضخم وارتفاع الأسعار
لقد أفضى الفساد وسوء إدارة الموارد إلى تفاقم السيولة النقدية وارتفاع معدلات التضخم. فحين تُنهب الثروات الوطنية، تلجأ الحكومة إلى طباعة النقود لتعويض العجز في الميزانية، وهو ما يزيد بدوره من حدة ارتفاع الأسعار. وتتلقى المرأة، التي تشغل في الغالب وظائف ذات دخل منخفض أو تعمل لحسابها الخاص كالبائعات المتجولات؛ وطأة الضرر الأكبر من هذه الدائرة الخبيثة. وقد أفاد محمد بحرينيان، وهو باحث حكومي، بأن 42.5 في المائة من فرص العمل في إيران تندرج ضمن فئة العمل الحر، وتكابد العديد من النساء في هذه القطاعات مشقة العيش بدخل زهيد تتضاءل قيمته يومًا بعد يوم بفعل التضخم.
قال محمد بحرينيان: “تُظهر إحصائيات منظمة العمل الدولية مدى تخلفنا. ففي مقارنة بين الدول المتقدمة والنامية، يعتبر نصيب العمل الحر في إيران مؤسفًا ومثيرًا للدهشة ومخجلًا في آنٍ واحد. فخلال فترة 31 عامًا، ووفقًا لتقديرات هذه المنظمة في عام 2022، يدور 42.5 في المائة من فرص العمل في إيران في فلك العمل الحر، وهذا أمر مروع. هذه النسبة لا تُبشر بخير للاقتصاد، وتدل على عدم الكفاءة والعجز في التنمية وتوفير فرص العمل للقوى العاملة.” (وكالة “خبر أونلاين” للأنباء – 19 مارس 2025).

وطأة انحسار القدرة الشرائية على معيشة المرأة
المعاناة الاقتصادية للمرأة عشية عيد النوروز
عشية حلول عيد النوروز، تواجه المرأة الإيرانية صعوبات اقتصادية جمة، تفاقمت حدتها بفعل التضخم المستشري، وارتفاع أسعار السلع، وتدهور القدرة الشرائية. وقد قيّدت هذه التحديات من قدرتها على إحياء تقاليد النوروز.
إحدى التقاليد القديمة لعيد النوروز هي شراء ملابس جديدة لأفراد الأسرة، وهي مهمة تقع عادة على عاتق النساء. ولكن مع ارتفاع أسعار الملابس، لم تعد الكثير من النساء قادرات على إحياء هذا التقليد. بل إن المواطنين يواجهون صعوبات جمة حتى في اقتناء الضروري من اللباس.
يقول أكبر، بائع ملابس الأطفال في سوق طهران: “لقد انخفض عدد زبائننا بنحو 40 في المائة، وبات الناس يواجهون صعوبات حتى في شراء الضروري من اللباس.” وبدوره، صرح محمد، بائع الملابس النسائية في شرق طهران، قائلًا: “إن وضع الألبسة مُقلق للغاية. فالناس يعانون مشقة حتى في اقتناء الضروريات منها.” (موقع “عصر إيران” الإخباري التحليلي – 18 مارس 2025).
تُعد الحلويات والمكسرات من ضروريات الضيافة في عيد النوروز، غير أن غلاء هذه الأصناف قد أفضى بالعديد من الأسر إلى العزوف عن شرائها. ويُفيد رضا، بائع المكسرات والفواكه المجففة، عن انخفاض زبائنه بنحو 40 في المائة، مضيفًا: “لم يعد الناس يبحثون إلا عن الحد الأدنى من الاحتياجات.” وبالمثل، يقول عباس، صاحب محل حلويات في طهران: “لقد تقلص عدد زبائننا بنحو 60 في المائة، وبات الناس عاجزين عن شراء الحلويات.” (موقع “عصر إيران” الإخباري التحليلي – 18 مارس 2025).
ويُلقي هذا الوضع بعبء مضاعف على عاتق المرأة التي تتحمل مسؤولية توفير هذه المستلزمات.

تداعيات ذلك على مستوى معيشة المرأة ورفاهيتها
لقد أدى انحسار القدرة الشرائية إلى تدهور حاد في جودة حياة المرأة. فبات العديد من النساء عاجزات عن الحصول على الخدمات الصحية أو التعليمية أو الترفيهية. وجاء في تقرير صحيفة “اعتماد”: “لقد أفضى التضخم الجامح بالناس إلى أتون أزمة وكآبة حادة، حتى أن الطبقتين الضعيفة والمتوسطة في المجتمع باتتا غير قادرتين على تلبية نفقات احتياجاتهما الأساسية.” (موقع “اعتماد أنلاين” الإخباري التحليلي – 11 مارس 2025).
لا يقتصر انحسار القدرة الشرائية على الشؤون المادية فحسب، بل إن الضغط النفسي الناجم عن العجز عن تلبية احتياجات الأسرة يهدد سلامة المرأة النفسية. فكثير من النساء يتغاضين عن حاجاتهن الشخصية لتوفير الحد الأدنى من مقومات حياة أبنائهن. ويشير تقرير وكالة “إيرنا” للأنباء عن أسواق عشية العيد أن “الأسر تشتري لأطفالها أولًا، وإذا تبقى لديهم مال، يشترون لأنفسهم.” (وكالة “إيرنا” للأنباء – 16 مارس 2025).
هذه التضحية قد فاقمت وطأة فقر النساء وتعمّق عدم المساواة بين الجنسين. “لقد بلغ الوضع الاقتصادي في البلاد حدًا استوى فيه خط الفقر بين الطبقتين الدنيا والمتوسطة، وباتت هاتان الشريحتان تعيشان تقريبًا على مستوى معيشي متقارب.” (موقع “اعتماد أنلاين” الإخباري التحليلي – 11 مارس 2025). وهذا الوضع ينبئ باتساع نطاق هذه الأزمة.
ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتأثيره على المرأة
استنادًا إلى الإحصائيات الرسمية، فقد شهدت أسعار بعض السلع ارتفاعًا بلغ حدّ الـ 220 في المائة: البطاطس 217 في المائة، والباذنجان 122 في المائة، والطماطم 116 في المائة، والعدس 108 في المائة، والفاصولياء الروميّة 104 في المائة. هذا الارتفاع المطرد في الأسعار يلقي بعبء ثقيل على عاتق المرأة التي تتحمل مسؤولية الطهي وتأمين غذاء الأسرة.
ويقول محسن، بائع الفاكهة في منطقة المنيرية: “في غضون أيام قليلة، ستبدأ أيضًا مبيعات فواكه العام الجديد، ومن المرجح أن ترتفع أسعار الفواكه مما هي عليه اليوم بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15 في المائة. وتشير الأرقام إلى أن عدد الزبائن، عشية العام الجديد، سينخفض إلى النصف مقارنة بالعام الماضي. ففي السنوات السابقة، كان عدد الزبائن يتضاعف عدة مرات خلال شهر رمضان.” (موقع “عصر إيران” الإخباري التحليلي – 18 مارس 2025).

وضع عمل المرأة ومزاولتها للمهن الحرة
تنشط العديد من النساء في قطاع العمل الحر، ويمتد نشاطهن من العمل كبائعات متجولات إلى الأعمال المنزلية. غير أن مداخيل هذه المهن لا تتناسب مع وطأة التضخم المتصاعد. في أسواق ليلة العيد، قام الباعة المتجولون، ومعظمهم من النساء والرجال من الفئات الضعيفة، بعرض بضائعهم بأسعار زهيدة.
“لقد غدا السوقُ سوقَ الباعة المتجولين، فكلٌّ يفترش في زاويةٍ مائدةً، ويملأ بضاعته بأصنافٍ زهيدة الثمن، وسوقه رائجة… ويبدو أن الناس يفضلون الشراء من الباعة المتجولين، وقد عمد أصحاب المتاجر، سعيًا لتعويض نقص مبيعاتهم، إلى فرش بضاعتهم أمام متاجرهم، ووضعوا على بعض سلعهم لافتةً كتب عليها: ‘تخفيضات!” (وكالة “إيرنا” للأنباء – 16 مارس 2025).
غير أن هذه المداخيل لا تكفي المرأة، وغالبًا ما تظل تحت خط الفقر. وتشير التقارير الميدانية من أسواق طهران، كسوق تجريش وهفت حوض، إلى خيبة أمل المرأة من إمكانية الشراء. وتقول أم في سوق سلسبيل: “الأسعار مرتفعة للغاية، ولا نحصل على جودة مناسبة مقابل ما ننفقه من مال. الناس يكتفون بالنظر والسؤال عن الأسعار ثم ينصرفون، وقلّما رأيتُ من يشتري. كان الناس يغادرون السوق خاليي الأيدي، وكأنهم أتوا للمشاهدة فحسب ولم يقوموا بعمليات شراء تُذكر.” صحيفة “إيران” – 16 مارس 2025).
المرأة رأس حربة التغيير
في العام الإيراني الجديد، تعاني المرأة الإيرانية وطأة صعوبات اقتصادية بالغة، ضاربة بجذورها في فساد النظام الحاكم وعجزه. فالغلاء المتصاعد، والتضخم الجامح، ونهب ثروات البلاد من قبل حكومة تستبيح أموال الشعب وتستنزف موارده الطبيعية؛ قد هوى بأغلبية المواطنين إلى هوة الفقر. وفي غمرة هذه الأحوال، تتعرض المرأة التي تشغل في الغالب وظيفة ذات دخل متدن أو بلا دخل ثابت؛ لأكبر ضرر من هذه الدائرة المفرغة.
إن نظام الملالي، الذي لم يكفّ عن سفك الدماء وقمع الشعب ونهب ثرواته حتى اللحظة الراهنة، قد أظهر أنه لا يملك أدنى إرادة لتحسين الأوضاع، ولا يفكر إلا في الحفاظ على سلطته. وإن إنهاء هذا الوضع وبناء مستقبل أفضل لن يتأتّى إلا بتقويض هذا النظام الفاسد واستبداله بحكومة عادلة.
وعليه، فإن الحل الجذري للخلاص من هذه الأزمات يكمن في إسقاط هذا النظام عبر نضال منظم وموحد. وإن نساء إيران، اللواتي هنّ عماد الأسرة والمجتمع، بانضمامهن إلى بؤر الانتفاضة وريادتهن للاحتجاجات والانتفاضات، يضطلعن بدور محوري ورائد في هذا المسار.