السجين حر ما دام يقاوم!
يُعد سجن ديزل آباد في كرمانشاه أحد أسوأ السجون سيئة السمعة التابعة للنظام الإيراني، حيث يُحتجز أعضاء المقاومة الإيرانية، وخاصة النساء. وقد كان النظام يُرسل جلادي هذا السجن إلى مناطق أخرى، مثل مدينة مشهد، لكسر مقاومة السجناء.
يتميز سجن ديزل آباد بجدران يبلغ ارتفاعها 9 أمتار مع 1.5 متر إضافية من الأسلاك الشائكة، وتحيط به 9 أبراج حراسة، مما يجعل الهروب منه أمرًا شبه مستحيل من الناحية الأمنية.

في مثل هذه الظروف، وفي 4 يوليو 1982، في حدث نادر يصعب تصديقه، تمكنت مجموعة من النساء المجاهدات، بتصميم من الشهيدة ع”اطفة بهاردوست“، من الهروب من العنبر 13 في هذا السجن بعملية شجاعة وجماعية.
نُشرت تفاصيل هذا الحدث لأول مرة في نشرة اتحاد جمعيات الطلاب المسلمين في الخارج في يناير 1988، وفي السنوات اللاحقة، أكمل الشهود رواية هذا الحدث البطولي. ما يُروى هنا هو شهادات من عايشوا تلك اللحظات!
شرارة الانتفاضة
في العقد الثاني من مايو 1982، قررت النساء المجاهدات المسجونات في سجن ديزل آباد بمدينة كرمانشاه إقامة مراسم 25 مايو1972 (ذكرى استشهاد مؤسسي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وأعضاء قيادتها). لكن أثناء التحضير للمراسم، كشف الخونة في العنبر عن خطتهن.
في 25 مايو، اقتحم 10 إلى 15 من الحراس الذكور العنبر بوحشية، وأخرجوا جميع السجينات إلى ساحة السجن تحت الشمس الحارقة، وقاموا بتفتيش العنبر وتخريب الأغراض. عثروا خلال التفتيش على مواد تتعلق بمراسم 25 ما يو بحوزة بعض السجينات.
نقل الحراس هؤلاء النساء أولاً إلى مكتب رئيس السجن، ثم إلى حاوية عقابية تحت الشمس، كانت في حالة مزرية من حيث التجهيزات، ولم يُسمح بفتح بابها إلا في أوقات محدودة للوصول إلى المرافق الصحية.

لكن هؤلاء الأخوات تقبلن الظروف القاسية بصدر رحب. أثناء نقل هؤلاء السجينات، قالت ”عاطفة بهاردوست[1]“، المسؤولة عن تنظيم العنبر، بصوت عالٍ: “يا فتيات، يجب عليكن الهروب مهما كلف الأمر!” فردت ”طاهرة محمدي كيا“، إحدى السجينات المعاقبات: “لن نسمح بأن نُقتل على أيديهم هكذا، كني على يقين أننا سنهرب!”
كانت معنويات هؤلاء النساء المجاهدات مرتفعة لدرجة أثارت إعجاب حتى السجانين. وفي النهاية، تأثر أحد السجانين، وهو “علي بيات” من أهالي شيراز، بنقاء وصمود هؤلاء النساء، فأبدى رغبته في التعاون معهن.
تصميم يبدو مستحيلاً
بعد التأكد من الظروف والوضع الأمني لـ ”علي بيات“، طلبت إحدى السجينات المحكوم عليها بالإعدام، وتُدعى ”أعظم برازش[2]“، من علي بيات مساعدتهن في الهروب. كما طلبت منه توفير أسلحة وذخائر ليتمكنّ من الرد على أي هجوم أو إطلاق نار من الحراس أثناء الهروب. وافق علي بيات وتم الاتفاق على التنسيق مع عاطفة بهاردوست، المسؤولة عن تنظيم العنبر، لإبلاغ اللواتي في الحاوية العقابية بالخطة.
وقام علي بيات بتوفير كل الاحتياجات، بما في ذلك بطاقات هوية مزورة، وشادور، وأحذية، وملابس، وغيرها، ليتمكنّ من الهروب متخفيات في زي نساء الحرسيات.
وتقرر أن تهرب اللواتي حُكم عليهن بالإعدام. تم تنفيذ خطة الهروب على مرحلتين: المرحلة الأولى كانت لتهريب أعظم برازش، وفي حال نجاحها، تتبعها المرحلة الثانية لإخراج سبع سجينات أخريات من السجن.
في 3 يوليو 1982، بينما كانت أعظم برازش ترتدي الشادور وتتجه من المرافق الصحية نحو الحاوية، أخبرها علي بيات: “الآن هو وقت الهروب، تعالي بسرعة!” لم تتردد أعظم، وتحركت معه نحو بوابة السجن. أخبرها علي بيات أن تتظاهر بأنها امرأة من الحرس الثوري، وعند الوصول إلى البوابة، تقول: “أنا فرزانه من الوحدة 25 في قوات الحرس، نسيت إحضار أوراقي اللازمة للتفتيش.” نفّذت أعظم الدور بدقة.
قال حارس البوابة: “يجب أن أتصل بوحدة الحرس للتأكد.” لكن في تلك الساعة، لم يرد أحد على الهاتف في وحدة الحرس. عندها قال الحارس: “إذن، دعني أوقظ الحاج.”
لم يكن علي بيات وأعظم برازش يعلمان أن ”أحمد نوريان“، رئيس السجن وجلاده، وأيضًا المحقق في قضية أعظم، كان نائمًا في غرفة المدخل نفسها إلى جانب حارس البوابة. عندما سمعت أعظم أن “الحاج” (أحمد نوريان، محقق قضيتها) نائم هناك، أدركت أنه إذا استيقظ، سيتعرف عليها فورًا، مما سيفشل خطة الهروب. أشارت إلى علي بيات ليتصرف.

تصرف علي بيات بذكاء، وبدأ يتحدث مع الحارس بعفوية قائلاً: “لا، لا توقظه، هذا الرجل كان يجري تحقيقات طوال الليل. آخر مرة أيقظته في وقت غير مناسب، ثار وتشاجر معي. إنه شخص عصبي، أنت حر في قرارك!” بهذه الطريقة، أقنع الحارس بعدم إيقاظ الحاج.
وهكذا تمكنت أعظم من الهروب، واستخدمت النقود التي قدمها لها علي بيات لتستقل حافلة صغيرة إلى كرمانشاه، ثم إلى طهران، ومنها إلى أصفهان، حيث انضمت إلى المنظمة.
كان هروب أعظم ناجحًا. لذلك، كان على المجموعة التالية التحرك بسرعة للهروب قبل كشف الأمر.
الهروب الجماعي
في صباح يوم 4 يوليو 1982، حوالي الساعة السادسة صباحًا، عندما تجمع أهالي السجناء أمام سجن ديزل آباد في كرمانشاه آملين زيارة أحبائهم، امتلأت ساحة السجن بأسر المجاهدين. جاء علي بيات إلى الحاوية وقرأ أسماء اللواتي ستهربن: نرگس بهاردوست، مرضية جليلي، عاطفة خزاعي، طاهرة محمدي كيا، كيتا دهقان، جالة مولاييان، ومرضية إسكندري. ارتدت هؤلاء النساء الشوادر وتخفين بزي عضوات من جهاد البناء، ونفذن المرحلة الثانية من الهروب بنجاح.
عندما واجه الحراس الحاوية خالية من السجينات المعاقبات، لم يتمكنوا من إخفاء غضبهم. الحاوية التي كانت مُعدة لتكون مكانًا لمزيد من الضغط والعقاب تحولت إلى ممر لهربهن.

فور علم الحراس بهذا الهروب الجريء، حشدوا كل إمكانياتهم للقبض على هؤلاء النساء، بل وأرسلوا الخونة لتعقبهن وتحديد هويتهن في المدينة. سرعان ما انتشر خبر الهروب في كرمانشاه، وأصبح الجميع يتحدث عن شجاعة هؤلاء النساء المجاهدات.
ثمن المقاومة
بعد الهروب، وبسبب أجواء القمع والوضع الأمني المشدد في المدينة، أُعيد القبض على عاطفة خزاعي، طاهرة محمدي كيا، كيتا دهقان، مرضية إسكندري، وجالة مولاييان. وفي 4 أغسطس 1982، بعد تعرضهن لتعذيب وحشي، أُعدمن.
هؤلاء النساء المناضلات دون كتابة وصية، كتبن أسماءهن على أربطة وضعنها على أذرعهن، ورفضن أن يُغطى أعينهن أثناء الإعدام. كانت المشاهد مؤثرة ومثيرة للحماس في آن واحد، حتى أن إحدى الحارسات التي شهدت المشهد فقدت توازنها النفسي وغادرت السجن. عندما عادت من موقع الإعدام، وبوجه شاحب، قال للسجينات: “جالة مولاييان وكيتا دهقان كانتا وكأنهما ليستا ذاهبتين إلى الإعدام، ظلتا تبتسمان حتى النهاية. عندما سقطت جالة على الأرض ولم تكن قد ماتت بعد، اقتربت منها، فابتسمت وأشارت بإصبعها إلى صدغها، وأومأت لي أن أطلق رصاصة الرحمة هناك.”
تمكنت أعظم برازش من الهروب بنجاح والانضمام إلى تشكيلات المجاهدين في أصفهان، حيث واصلت نشاطاتها. كان من المقرر إرسالها إلى المنطقة الحدودية لمغادرة البلاد، لكن بعد عام، وقبل تنفيذ المهمة، تم كشف القاعدة التي كانت تتواجد فيها، فأُلقي القبض عليها ونُقلت إلى كرمانشاه. أُعدمت أعظم برازش في 2 أغسطس 1983.
واصلت عاطفة بهاردوست، المسؤولة عن خطة الهروب، قيادة التشكيلات السرية في السجن لمدة عام آخر. لكن بعد كشف بعض أسماء تشكيلات عنبر النساء في سجن ديزل آباد وتكشف دورها في الهروب، أُعدمت في 2 أغسطس 1983، في سن 22 عامًا، مع أعظم برازش وأفسانة جلالي بطريقة بشعة في سجن ديزل آباد بكرمانشاه.

أما علي بيات، فقد تم كشفه لاحقًا من خلال مراقبة هاتفية، وأُلقي القبض عليه، وأُعدم بعد تعرضه لتعذيب وحشي في ربيع 1982،
1. عاطفة بهاردوست كانت طالبة في كلية الحقوق بجامعة طهران. انضمت إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بعد الإطاحة بنظام الشاه والثورة المناهضة للشاه في عام 1979. تم نقلها إلى كرمانشاه قبل 20 يونيو 1981، حيث لعبت دورًا محوريًا في تنظيم أنصار المجاهدين وإطلاق الاحتجاجات والمظاهرات. كانت تبلغ من العمر 21 عامًا عندما أُلقي القبض عليها خلال الهجوم على قاعدة مقاومتهم في كرمانشاه في شهر سبتمبر 1981.
2. أعظم برازش، التي كانت تبلغ من العمر 22 عامًا وقت استشهادها، حصلت على دبلوم في الأدب الفارسي عام 1979ثم التحقت بجامعة طهران، حيث انضمت إلى الطلاب المؤيدين لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية وبدأت نشاطاتها السياسية. واستشهدت في 11 سبتمبر 1981..