وتزامنًا مع استمرار محاكمة حميد نوري في ألبانيا، تحدَّث سجناء سياسيون سابقون في مؤتمر تاريخي في أشرف الـ 3 بحضور مراسلي وسائل الإعلام المحلية والدولية عن تجاربهم وعمَّا لديهم من معلومات عن شهداء مجزرة صيف 1988.
وزار الصحفيون متحف شهداء المقاومة في أشرف الـ 3، قبل هذا الاجتماع، وأعدوا تقارير وصورًا ومقاطع فيديو للمشاهد المعاد ترميمها، ولممر الموت في سجن جوهردشت.

وترأست السيدة معصومة ملك محمدي الاجتماع التاريخي لألف سجين سياسي في عهدي الشاه والملالي، في أشرف الـ 3. وقالت في بعض أجزاء من حديثها: معنا هنا اليوم ألف سجين سياسي من مجاهدي خلق الذين عاشوا آلاف السنين في سجون وزنازين الشاه والملالي. والجدير بالذكر أن 220 امرأة منّا هنَّ من النساء المجاهدات، وأن عددًأ كبيرًا منّا من شاهدات العيان على المجزرة في مختلف السجون. والكثيرات منّا عشن في السجن 10 سنوات أو 15 سنة أو حتى 17 سنة.والجدير
وقد انتقلنا من سجون إيفين، وجوهردشت، وقزل حصار إلى سجون تبريز وأرومية وكرمانشاه حتى سجني سمنان وزاهدان. وقد أُعدم عشرات الآلاف من أصدقائنا ورفاقنا في النضال، أثناء مجازر عقد الثمانينيات أو أنهم من بين شهداء مجزرة صيف 1988. وتتدفق دماء هؤلاء الشهداء اليوم في عروق ثوار انتفاضة نوفمبر 2019، وفي عروق شباب الانتفاضة، ووحدات المقاومة. وأولئك هم الذين قرعوا ناقوس الإطاحة بنظام الملالي.
وارتُكبت في صيف عام 1988 مجزرة تُعد أكبر مجزرة في حق السجناء السياسيين في التاريخ المعاصر. ولم تُعرف حتى الآن أبعاد الإبادة الجماعية والجريمة غير المسبوقة، الناجمة عن سياسة الاسترضاء، ولم يُعاقَب عليها أحد، حيث لم يمثل الآمرين بها ومنفذيها أمام العدالة فحسب، بل شغلوا أعلى المناصب الحكومية، ولا يزالون يتمادون في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. والحقيقة المؤكدة هي أن لا أحد يتطلع إلى تحقيق العدالة في إيران قبل الإطاحة بالملالي على أيدي أبناء الوطن، والمقاومة الإيرانية.
لقد كتب خميني في فتواه القصيرة والجنائية أنه يجب إعدام مجاهدي خلق المتمسكين بمواقفهم في أي مرحلة. وبناءً على هذه الفتوى الشيطانية تم إعدام 30,000 سجين سياسي، 90 في المائة منهم من مجاهدي خلق. لذا، تُعتبر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المتضرر الرئيسي من الإبادة الجماعية والجريمة الكبرى في التاريخ المعاصر”.

لم يُسمح لمنيرة رجوي حتى بكتابة اسمها على متعلقاتها
وقالت السيدة ملك محمدي، في تناولها لجانب من جوانب ملاحظاتها: أنا معصومة ملك محمدي. إحدى سجينات نظام الملالي. اعتقلت في عام 1882, وسجنت في سجن إيفين مع بعض البطلات، من أمثال أشرف أحمدي، وبروين حائري، وأعظم طاق دره، وزهرة عين اليقين، وشهين، ورضية آيت الله زاده شيرازي، ومهري درخشاني نيا، الطالبة البالغة من العمر 16 عامًا، وفريبا عمومي، ومريم توانائيان فرد؛ اللواتي أُعدمن شنقًا، في صيف عام 1988بتهمة الإصرار على مناصرة مجاهدي خلق ليس إلا، وضحَّين بأرواحهن فداءً لحرية وطننا العزيز.
اسمحوا لي أن أتحدث عن إحدى شهيدات المجزرة الأوائل، أختي المجاهدة منيرة رجوي، التي عشت معها فترة طويلة كزميلة العنبر وزميلة القيد. كانت منيرة الأسيرة الوحيدة التي حُرمت من حمل اسمها. ولم يُسمح لها حتى بكتابة اسمها على متعلقاتها الشخصية، نظرًا لأن الجلادين مرعوبون بشده من اسم رجوي. وعندما رأوا أن سماع اسم رجوي من مكبر الصوت كان محفزًا لجميع السجناء، توقفوا عن نداء اسم منيرة مرة أخرى. وفي كل مرة يأتون فيها أثناء الاستجواب، يمسكون بياقتها بهدوء ويقتادونها إلى الاستجواب. وعندما كانت في السجن بمعية طفليها الصغيرين، لم يسمحوا لها حتى بكتابة اسمها على متعلقاتها الشخصية ولا على الحليب الجاف الخاص بطفليها.

تعذيب المجاهدات في السجون السرية
كانت هما جابري متحدثة أخرى في الاجتماع، وقالت: أنا هما جابري، كنت طالبة في عمر الـ 18 عامًا عندما اُعتُقِلت أثناء مظاهرة يوم 20 يونيو 1981، وحُكم عليّ بالسجن لمدة عام ونصف العام، لكنني قضيت 5,5 سنوات في سجون إيفين وجوهردشت وقزل حصار.
وأود اليوم أن أتطرق إلى الحديث عن مقاومة النساء المجاهدات التي شهدتُها في السجون. إن ظروف السجن في نظام الملالي بشكل عام رهيبة للغاية، وهي أشد فظاعة على النساء بشكل خاص، وفي حين أن الملالي لا يمنحون أي حقوق للمرأة فإن للمرأة نصيب مضاعف في القمع والتعذيب. ففي 20 يونيو تم اعتقال آلاف الأشخاص، وتم إعدام بعضهم بشكل همجي دون ذكر أي أسماء أو بيانات في تلك الليلة، وتم نقلنا إلى صحراء شرق طهران، حيث تم تنظيم مشهد لإعدام وهمي، ثم نقلونا بعد ذلك إلى سجن إيفين.
وكدَّسونا في سجن قزل حصار، في عام 1982، ووصل عددنا إلى ما يتراوح بين 28 إلى 30 شخصًا في زنازين تتسع لشخصين أو ثلاثة أشخاص. لذلك تناوبنا على الجلوس والنوم، ولم تكن لدينا أي مرافق، وبقينا على هذا الحال لمدة 8 أشهر، لكننا كنا نتمتع بمعنويات عالية. واستنتج الجلاد لاجوردي أننا نتمتع بمعنويات عالية عندما نكون إلى جوار بعضنا البعض. لذلك أخذونا إلى الحبس الانفرادي بسجن جوهردشت، في منتصف عام 1982. وكان يقصد بسؤاله أن نبدي ندمنا أمامه، فقلت له الخدمات هنا معدومة. فقال لي “أيتها المنافقة ستبقين هنا حتى تتعفنين”.
لقد كانت الظروف هناك صعبة للغاية، وكان الصمت المطلق سيد المكان، وكنا نتعرض للعقاب والتوبيخ والتعذيب بمختلف الذرائع، ولم تكن لدينا أدوات سوى طبق وكوب وملعقة. وأبقونا في تلك الزنازين لمدة عامين في ظل برد كرج بدون تدفئة، والطعام قليل للغاية.
وفي الوقت ذاته أقيم في سجن قزل حصار، في عام 1983، سجن سري يسمى بالوحدة السكنية على هيأة أقفاص، ولم يكن لعوائل السجناء ولا حتى نزلاء السجن أنفسهم علم به. وكل ما رأيناه هو اختفاء البعض. ومن المؤكد أنك قرأت عن “القفص” وهو كتاب للأخوات المجاهدات هنكامه (حاج حسن) وأعظم (حاج حيدري). وكانت الظروف هناك مروعة للغاية. وكانوا يجلسون معصوبي الأعين، في صمت تام وبلا حراك طوال الوقت، وكانوا يتعرضون للتعذيب كل ليلة. وقد أخذوني أنا أيضا مع آخرين الى هذه الوحدة السكنية بأعين معصوبة وبأغطية من الرأس إلى القدمين، وكنا نقف في صمت مطلق في مواجهة الجدران لعدة أيام، وكانوا يسمحون بالنوم لمرة واحدة كل بضعة أيام، ويشنون عدة حملات هجومية مرعبة على السجناء يوميًا ويعذبونهم بشدة. وإذا خرج صوت أحد ممَن يتعرضون للتعذيب؛ ينهال عليه عدة جلادين بالضرب بوحشية بنية القتل.
واختل توازن بعض الأخوات اللواتي كنَّ هناك لمدة 14 شهرًا؛ بسبب الإجهاد والضغط النفسي والجسدي، وتم إعدام بعض الناجيات في مجزرة الإبادة الجماعية، وأُدرجوا ضمن شهداء مجزرة صيف 1988.
والحقيقة التي شهدناها هي أن الهدف من كل هذه الفظائع هو إما أن يتوب سجناء مجاهدي خلق ويتبرأوا من إنتماءاتهم أو يُهلكون ويُمحون من تاريخ إيران، وقد قال خميني في عام 1979 إن عدونا الرئيسي هم المجاهدون.
أخيرا أود أن أذكركم بالأخوات الشهيدات في مجزرة صيف 1988، ومن بينهم شكر محمد زاده، وكانت تعمل ممرضة – وفرانغيس محمد رحيمي ــ وأشرف فدايي – وتهمينه ستوده، التي كانت طالبة وتعاني من شلل خلقي، وتم إعدامها رغم أنها مشلولة”.

ولم تنجو واحدة من الطبقة الأولى، وهنَّ المجاهدات
كما تحدَّث السجين السياسي السابق، حسن ظريف، في هذا الاجتماع عن ملاحظاته، قائلًا: نقلوني يوم الجمعة، 29 يوليو 1988 إلى العنبر الـ 209 لمواصلة الاستجواب على إثر الاضراب الذي حدث في العنبر. ورأيت أثناء هذا الترحيل ما يقرب من 70 إلى 80 امرأة من عنبر النساء معصوبات الأعين، ونقلوهن إلى الحبس الانفرادي في الطابق الأول. وكنت أتصل ليلًا بالطابق الثاني، حيث كان يُحتجز المعتقلين مرتين، وأخبروني أنهم اقتادوا أكثر من 50 فردًا منهم إلى مكان مجهول بحلول غروب الشمس، ولم يعودوا حتى الآن. وأثناء هذه المكالمة، اتصلت بنا أخت من الطابق الأول، من خلال شفرة مورس، وقالت إن اسمها شهين بناهي، وأنها محتجزة مع زهرة إسماعيلي، في زنزانة واحدة. وجاء مرتضوي في المساء، وأدخل كل من قال إنه متهم بأنه مجاهد، في الحبس الانفرادي. وقال إنهم استدعوننا جميعًا تقريبًا، باستثناء عدد محدود والماركسيين.
وأخبرتنا شهين أنهم زجوا ببعض الأفراد في الحبس الانفرادي في اليوم السابق، من أمثال منيرة رجوي، شقيقة الأخ مسعود رجوي، ومريم كلزاده غفوري، وزهرا فلاحت، وهما رادمنش، وكذلك بعض الأفراد الآخرين، في وقت سابق، ولم يتوفر لدينا أي معلومات عنهم.
وبعد يومين أو ثلاثة، أدركت أنه لم يبق أحد من الطابق الأول، حيث توجد الأخوات المجاهدات، ولا من الطابق الثاني حيث يوجد رسُل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، والمعتقلين مرتين. وانقطع اتصالي بهذين الطابقين.
وأضاف حسن ظريف: إنني لم أذهب إلى لجنة الموت. ولكن عندما عدت إلى العنبر العام في شهر أغسطس 1988، أدركت حجم المجزرة الكبرى التي تم ارتكابها في سجن إيفين. ولم يتبق من عنابر النساء الـ 3 التي تضم 250 فردًا سوى عنبر واحد، وأغلبهن من الماركسيات أيضًا.
وفي ختام اللقاء قالت السيدة معصومة ملك محمدي وهي تشكر جميع الحاضرين في الاجتماع التاريخي لألف سجين سياسي من باند راستا لنظامي الشاه والملالي: “إن خميني قرر منذ الأشهر الأولى لحكمه ضرورة القضاء على جيل مجاهدي خلق من تاريخ إيران مهما كان الثمن.
لقد شهدتم بأن مجاهدي خلق الذين أُعدموا شنقًا يشكلون 90 في المائة من شهداء مجزرة صيف 1988، وكان ذنبهم أنهم لم يخضعوا للملالي للبقاء على قيد الحياة فحسب، بل إنهم دافعوا عن مُثُل مجاهدي خلق وحرية الشعب الإيراني بالتضحية بالغالي والنفيس.
والجدير بالذكر أن مجاهدي خلق، خلافًا لرغبة الملالي، لم يتم إقصائهم من المشهد فحسب، بل يزداد نجمهم سطوعًا كل يوم. ولا شك في أننا سنواصل هذه الحملة إلى أن يتم تقديم القتلة، ومن بينهم خامنئي ورئيسي، إلى العدالة. والتقاضي جزء من حملة الإيرانيين الكبرى للاطاحة بنظام الملالي”.




















