بيع الشعر للبقاء على قيد الحياة: كيف يدفع الفقر النساء الإيرانيات لبيع شعرهن
في إيران اليوم، أجبر الفقر العديد من النساء – وخاصة المعيلات والطالبات – على اتخاذ تدابير مؤلمة للبقاء. من أكثر الظواهر المؤلمة والمتنامية بيع الشعر الطبيعي. كان الشعر الطويل والصحي في السابق رمزًا للجمال والهوية الشخصية، لكنه تحول إلى سلعة. تزدهر تجارة الشعر، ليس كخيار تنوع الطلب على الموضة بل كمؤشر صامت على اليأس الاقتصادي. خلف واجهات صالونات التجميل وإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي تكمن حقيقة قاسية: نساء إيران يبعن شعرهن لتوفير الطعام على موائدهن.
نمو السوق السرية بسبب الحاجة المالية الملحة
تكشف تقارير من موقع “ركنا نيوز” الحكومي (5 أبريل 2025) و”خبر أونلاين” (7 أبريل 2025) عن النمو المقلق لتجارة الشعر غير الرسمية في إيران، لا سيما في المناطق الوسطى من طهران. في هذه الأحياء من العاصمة، تتوزع النشرات الإعلانية التي تروج لشراء الشعر الطبيعي للنساء على واجهات المحلات، ولافتات الشوارع، وحتى مداخل الجامعات. الأسعار مدهشة، تتراوح بين 2 مليون تومان (نحو 40 دولارًا) للخصل القصيرة، وتصل إلى 100 مليون تومان (حوالي 2000 دولار) للشعر غير المقصوص وغير المعالج الذي يتجاوز 90 سنتيمترًا.
تزدهر هذا السوق دون أي إطار قانوني أو تنظيمي. يُباع الشعر علنًا وسرًا – عبر إنستغرام، ومنصات البيع والشراء مثل “ديوار”، أو مباشرة في صالونات التجميل. يعمل الوسطاء غالبًا كحلقة وصل بين النساء المحتاجات وصالونات التجميل، حيث يحصلون على عمولات مقابل كل صفقة. هؤلاء الوسطاء، الذين ينشطون عادة في صالونات تجميل نسائية، يستهدفون الشابات والفتيات ذوات الشعر الكثيف والطويل وغير المعالج، ويقدمون عروضًا مغرية خاصة إذا كانت البائعة دون سن 16 عامًا.

دور النظام في تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران
أدت عقود من الفساد وسوء الإدارة والعزلة الاقتصادية للنظام الإيراني – التي تفاقمت بسبب العقوبات الدولية – إلى خلق مناخ اجتماعي واقتصادي جعل البقاء اليومي معركة شاقة. التضخم، البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة تركت العائلات تكافح من أجل تأمين الدخل، خاصة الأسر التي تعيلها نساء. في هذا الواقع، أصبحت الكرامة ترفًا. بيع الشعر هو إحدى الطرق العديدة التي تضطر النساء من خلالها إلى استغلال أجسادهن لمواجهة الفقر الساحق.
وفقًا لـ”خبر أونلاين”، معظم البائعات هن نساء يعيلن أسرهن بمفردهن أو طالبات يحاولن دفع الرسوم الدراسية، أو تكاليف الطعام، أو الإيجار. رغم الطلب الكبير، تظل هذه التجارة استغلالية. في غياب التنظيمات، تتعرض النساء لخطر التقليل من أجورهن، أو التضليل بشأن قيمة شعرهن، أو بيع خصل معالجة كـ”طبيعية” في المقابل.
من وصلات الشعر إلى سلعة ذات قيمة عالية
اكتسبت وصلات الشعر، المعروفة في إيران باسم “إكستنشن”، شعبية واسعة، خاصة خلال المناسبات مثل نوروز (رأس السنة الفارسية)، مما يعزز الطلب على الشعر الطبيعي. يأتي الشعر الأكثر صحة وقيمة من الفتيات والنساء ذوات الشعر غير المعالج وغير المصبوغ و”البكر” – غالبًا بنسيج مستقيم، لأنه أسهل للصباغة والتجعيد للمشترين اللاحقين.
بسبب انتشار الاحتيال، يفضل المشترون رؤية الشعر وتأكيده قبل قصه. فبعض البائعين يخلطون الشعر الصناعي أو المستعمل بالشعر الطبيعي. لذا، يعتبر الشعر المتصل بالرأس ذا قيمة أعلى.
تتفاوت أسعار الشعر بناءً على الطول، الكثافة، الصحة، وحتى عمر البائع. فخصلة شعر بطول 65 سنتيمترًا تُباع بين 10 و20 مليون تومان، وقد تصل إلى 25 مليونًا إذا كانت لشخص دون 16 عامًا.

أسواق طهران الشعبية والواردات من الخليج
منذ سنوات، يُستورد الشعر الصناعي من دول مثل الصين أو عبر دبي إلى إيران. لكن الآن، يتجه السوق نحو الشعر الطبيعي، خاصة في شمال طهران، حيث تستهدف صالونات التجميل الفاخرة زبائن الشعر الطبيعي.
تحولت شوارع مثل ”كوجه برلن“، ”فردوسي“، ”منوجهري“، و”جمهوري“ في طهران إلى مراكز غير رسمية لتجارة الشعر. لكن غياب القوانين الواضحة فتح الباب أمام الاستغلال.
الصمت الثقافي أمام الفقر الاقتصادي
في المجتمع الإيراني التقليدي، لا يزال بيع الشعر تابوًا. تُخفي العديد من النساء السبب الحقيقي لقص شعرهن، ويربطنه بتغيير الأسلوب أو الموضة. وكما كتب موقع “ركنا”: “قبل أن نقول ‘يا للأسف، لمَ قصصتِ شعركِ الجميل؟’، علينا أن نفكر، ربما كان ذلك الشعر مصروف إيجار منزل أو تكلفة دواء لأم مريضة.”
لقد أقصت سياسات النظام الديني الجنسانية النساء من سوق العمل لسنوات، دون توفير أي دعم اقتصادي لهن. في مثل هذا الواقع، يصبح بيع الشعر إحدى الطرق التي تتحول فيها أجساد النساء إلى أداة للبقاء.
ما يبدو ظاهريًا كسوق مزدهر للجمال هو في الحقيقة صرخة صامتة من نساء يسحقهن الضغط الاقتصادي. بينما يجني الوسطاء والصالونات الأرباح، تبيع النساء جزءًا من كيانهن للبقاء على قيد الحياة. في بلد غني بالموارد، تجد النساء أنفسهن مضطرات لبيع أجسادهن لإطعام أطفالهن—والنظام، المنشغل بالقمع والرقابة، يغمض عينيه عن هذه المعاناة اليومية.