الجامعة تحت الحصار: طرد الطلاب والأساتذة من الجامعات الإيرانية
طرد الطلاب والأساتذة عشية العام الدراسي الجديد
لطالما كانت الجامعات في إيران ولا تزال حصنًا للحرية والعدالة ونبضًا للحركات الاجتماعية والسياسية، وبؤرة الاحتجاجات. منذ القدم، كان الطلاب المثقفون ولا زالوا رواداً للحركات الاجتماعية والسياسية.
طوال تاريخ إيران، لعبت هذه الميزة للجامعة دورًا مهمًا للغاية في خلق بعض التطورات، من قبيل ثورة 1979، وما تلاها من احتجاجات. ولعبت الجامعات دورًا محورياً في الاحتجاجات، خاصة في الانتفاضة الوطنية عام 1922. أدت المشاركة الواسعة والفعالة للطلاب في الاحتجاجات إلى قيام نظام الملالي بمحاولة قمع أي روح احتجاجية وتفكير نقدي في الجامعات، من خلال صياغة لوائح جديدة، وفرض قيود تنتهك الحريات الفردية والاجتماعية للطلاب جديدة.
والجدير بالذكر أن صلاحيات الأجهزة الأمنية في الجامعات غير محدودة. فقد بذلت هذه الأجهزة قصارى جهدها لقمع الطلاب الأحرار، بأوامر تأديبية وسياسية وقضائية، وتطبيق الكوتات العديدة.
حرم آلاف الطلاب، على مدى العامين الماضيين، من التعليم لأسباب مختلفة. وتعرَّض هؤلاء الطلاب، الذين تم استهدافهم في كثير من الأحيان بسبب أنشطتهم السياسية ومشاركتهم في الاحتجاجات؛ للطرد أو الإيقاف المؤقت، أو الحرمان من الدراسة والسكن في المدن الجامعية.
مارس نظام الملالي – الذي يخشى بشدة من إعادة فتح الجامعات والتجمعات الطلابية – مرة أخرى ضغوطاً مكثفة على أجواء الجامعات الإيرانية، عشية العام الدراسي 2024-2025. وقد تم منع ما يقرب من 200 طالب وطالبة من حضور المحاضرات الجامعية، ومواصلة الدراسة؛ بسبب اتهامات باطلة تتعلق بأنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو رفضهن ارتداء الحجاب الإجباري، أو استمراراً لقمع الاحتجاجات التي وقعت في عام 2022. والجدير بالذكر أن بعض هؤلاء الطلاب يقبعون خلف القضبان بعد صدور أحكام قضائية بحقهم.

حرمان الطلاب من حقهم في الدراسة
من بين الطلاب الذين حُرموا من حقهم في الدراسة ”صدف حيدري“، الطالبة بجامعة تبريز، والتي حكمت عليها اللجنة التأديبية في هذه الجامعة بالفصل من التعليم والطرد من السكن الجامعي لفصلين دراسيين؛ بسبب نشر مقال على صفحتها على الانستغرام حول تحطم طائرة الهليكوبتر التي كان على متنها إبراهيم رئيسي.
حكمت اللجنة التأديبية المركزية التابعة لوزارة التعليم العالي على شقايق أكبري، طالبة الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي بكلية المعلمين “جامعه تربيت مدرس” في طهران؛ بالإيقاف لمدة أربعة فصول دراسية. ووُجهت لها هذه الاتهامات بناءً على منشوراتها وقصصها على إنستغرام وإجراء مقابلة مع صحيفة “هم ميهن”، انتقدت فيها الوضع الأمني في الجامعات، ومعاملة قوات الأمن للطلاب.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم الحكم على شقايق أكبري في وقت سابق أيضا بالحرمان من التعليم 12شهرا، ونتيجة للحكم الجديد يتعرَّض مستقبلها الأكاديمي للخطر بشكل كبير.
تم طرد ”صحرا رضايي“، الطالبة في جامعة العلامة طباطبايي من الجامعة؛ بموجب حكم ديوان العدل الإداري، حيث وافق الديوان المذكور على طرد رضايي، وهي طالبة أفغانية تبلغ من العمر 22 عامًا، وتدرس في الفصل الدراسي السابع في قسم الصحافة. والجدير بالذكر أنه كان قد تم اعتقال السيدة رضايي سابقًا، خلال الاحتجاجات الوطنية في أكتوبر 2022، وأُطلق سراحها في شهر ديسمبر من نفس العام.

حرمت اللجنة التأديبية بجامعة طهران شيدا آقاحميدي التي تدرس في قسم الأنثروبولوجيا؛ من الدراسة لمدة عامين ونصف. والسبب في إيقاف شيدا آقا حميدي مؤقتاً هو ارتكابها لأفعال من قبيل الإخلال بأنشطة وبرامج الجامعة، وعدم التزامها بمعايير السلوك الطلابي، وعدم التزامها بقوانين الحجاب الإلزامي.الأنشطة والبرامج الجامعية، وعدم رعايتها معايير السلوك الطلابي، وعدم الالتزام بقواعد الحجاب الإلزامي.
حكمت اللجنة التأديبية بجامعة طهران على الطالبة، يكتا ميرزايي، التي تدرس في قسم علم الاجتماع؛ بالإيقاف المؤقت عن الدراسة لمدة عامين ونصف. وتم اتخاذ هذا القرار استناداً إلى اتهامات تتعلق بعدم الالتزام بالحجاب القسري، وعدم احترام شئون الطلاب، والإساءة للقيم الوطنية أو الإسلامية.
كما تم الحكم على ريحانة ابراهيم وندي، الطالبة في الماجستير في علم النفس الاستشاري، والتي التحقت بجامعة الزهرا؛ لمدة فصلين دراسيين متتالين، وسيتم احتساب هذه الفترة من الحرمان ضمن سنوات دراستها. وصدر قرار اللجنة التأديبية بناءً على اتهامات، من قبيل “إثارة الفتنة وخلق الخلاف والنزاع في الجامعة، وترويج الأخبار الزائفة والشائعات الكاذبة “.
وبالإضافة إلى هذا الاستبعاد، سبق أن مُنعت ريحانة إبراهيم وندي من دخول الجامعة في الفصل الدراسي الماضي دون الالتزام بالإجراءات القانونية، ودون إصدار حكم كتابي، بل بإخطار شفهي فقط. ورغم متابعاتها المتكررة للحصول على توضيحات، إلا أن إدارة الجامعة لم تقدم حتى الآن تفسيراً واضحاً بشأن هذه القضية.
تم الحكم على ”مطهرة كونه اي“، الطالبة المعلقة بجامعة طهران للعلوم الطبية وزوجها؛ بالإيقاف الموقت عن الدراسة، ونقلهما إلى الدراسة في جامعة أردبيل.

اعتقلت قوات الأمن، في وقت سابق في طهران، مطهرة كونئي، الطالبة بكلية طب الأسنان، والأمين العام السياسي السابق للرابطة الإسلامية للطلاب بفرعي جامعة طهران وجامعة طهران للعلوم الطبية؛ على خلفية الاحتجاجات الوطنية التي شهدتها البلاد عام 2022.
حيث تم اعتقلتها قوات حرس نظام الملالي، في طهران، في 1 مايو، بعد استدعائها من قبل جهاز مخابرات هذا التنظيم الإرهابي، وتم نقلها إلى سجن إيفين. وفي نهاية المطاف تم إطلاق سراحها بكفالة من سجن إيفين بعد بضعة أيام. وبعد ذلك، حكم عليها الفرع الـ 29 لمحكمة الثورة في طهران، في يوليو 2024، بالسجن لمدة عام.
الحرمان من الدراسة يعد عقوبة قاسية وظالمة بحق الطلاب
يعد الحق في التعليم أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، وهو حق معترف به رسمياً في العديد من الوثائق الدولية.
ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تعد إيران إحدى الدول الموقعة عليه؛ في البند 1 من المادة 26 على “ضرورة مجانية التربية والتعليم وإتاحتهما للجميع، وعلى وجوب إتاحة فرص التعليم العالي للجميع على قدم المساواة”. ويكفل هذا الحق تمكين كل فرد من الاستفادة من الفرص التعليمية دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو نوع الجنس أو الرأي السياسي.
ومع ذلك، يتم انتهاك هذا الحق على نطاق واسع في إيران، تحت وطأة حكم نظام الملالي. إذ تم حرمان العديد من الطلاب من الدراسة لأسباب مختلفة، وخاصة بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، وحتى نشر منشورات انتقادية في الفضاء الإلكتروني. وكما رأينا في الحالات المذكورة أعلاه، فإن عدم التزام الطالبات بالحجاب الإجباري يضاف إلى هذه الأسباب أيضاً.
يعد الحرمان من الدراسة أحد أهم أدوات قمع الطلاب المنتقدين والمعارضين في إيران. ويتم طرد هؤلاء الطلاب، المعروفين بأنهم روّاد الاحتجاجات الشعبية؛ من الجامعة بسبب أنشطتهم ويُحرمون من استكمال الدراسة.
وتتنافى هذه القيود حتى مع مبادئ دستور نظام الملالي نفسه، وتنتهك التزاماته الدولية، إلا أن هذا النظام الفاشي ما يزال يواصل هذه السياسة القمعية.

إقالة أساتذة الجامعات
يعود تاريخ طرد الطلاب والأساتذة إلى فترة ما بعد ثورة 1979، والثورة الثقافية. قام نظام الملالي بـ “تطهير” وقمع خصومه السياسيين والإيديولوجيين على نطاق واسع بإغلاق الجامعات لمدة 30 شهراً. وخلال هذه الفترة، تم طرد العديد من الأساتذة البارزين ونخبة الطلاب من الجامعة؛ بسبب معارضتهم لأيديولوحية الحاكم. وتم سجن العديد منهم وإعدامهم في المجازر الجماعية في عقد الستينيات ومذبحة عام ١٩٨٨.
كما استمر هذا الاتجاه في السنوات التالية. وبدأت الموجة الأخيرة من فصل أساتذة الجامعات مع بداية حكومة إبراهيم رئيسي في عام 2021. وتم خلال عام 2023 فصل 158 أستاذاً منتقداً ومحتجاً من الجامعة، كما أُجبر 60 أستاذاً على التقاعد. وفشلت مساعي العودة إلى الجامعة، وهاجر بعض الأساتذة، وجلس البعض الآخر في منازلهم، أو انخرطوا في وظائف أخرى. (صحيفة “ستاره صبح” – 16 سبتمبر 2024).
كتبت صحيفة “اعتماد” في عددها الصادر في 13 سبتمبر 2023 أن هؤلاء الأساتذة إما أنهم كانوا من معارضي انتخاب إبراهيم رئيسي أو من الداعمين لاحتجاجات عام 2022 في إيران.
إن الفصل من الجامعة، والإيقاف، وقطع الرواتب أو الخصم منها، والتقاعد الإجباري، والاستدعاء من قبل أمن الجامعة، والاستدعاء من قبل الأجهزة الأمنية، والحرمان في نهاية المطاف من الفرص المهنية والميزانيات البحثية والمشاريع العلمية؛ هي من بين الضغوط التي تمُارس على أساتذة الجامعات. والسبب في فصل الأساتذة وإقالتهم هو دعمهم للطلاب أو أنهم لديهم وجهة نظر نقدية.
وعود فارغة بعودة المعّلقين والمفصولين
أدت حالات إيقاف وفصل الطلاب والأساتذة من الجامعات على نطاق واسع إلى تحويل هذه القضية إلى مطلب اجتماعي ملح. وكان رئيس جمهورية خامنئي الجديد، مسعود بزشكيان، الذي خرج من صندوق الانتخابات التي شهدت مقاطعة شعبية واسعة النطاق؛ قد وعد في 29 أغسطس الماضي بإعادة النظر في قضايا الطلاب والأساتذة المفصولين والمحرومين من التعليم، وبأنه ستتم إعادة هؤلاء الأشخاص إلى الجامعات.
إلا أن العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس يرون أن هذه الوعود ما هي إلا محاولة لتهدئة الاحتجاجات وكسب تأييد الرأي العام، ولن يحدث أي تغيير على أرض الواقع في أوضاع الطلاب والأساتذة المفصولين.
أعلن حسين سيمائي صراف، وزير العلوم في حكومة بزشكيان، في مقابلة أُجريت مع وسائل الإعلام، في 14 سبتمبر 2024، أن إعادة الطلاب والأساتذة الذين قاموا بالاحتجاج مرتبطة بقرارات وتدخلات السلطة القضائية في البلاد، ولكنه ليس متأكداً من أن السلطة القضائية ستعيد النظر في هذه القضايا. وتظهر هذه التصريحات أن حكومة بزشكيان ليست لديها الإرادة الجادة حتى على أعلى المستويات لحل مشاكل الطلاب والأساتذة.
وفي هذا الصدد، ادعى سعيد حبيبا، مساعد وزير العلوم، ورئيس الهيئة المسؤولة عن شؤون الطلاب في الجامعات أنه ليس لديهم إحصائيات دقيقة حول القضايا الطلابية التي صدرت فيها أحكام تأديبية. وبشأن حالات الطرد والإيقاف خلال ثلاث سنوات أضاف أن: “الجامعات تتخذ القرارات بشكل مستقل في هذا المجال، إلا أنه تمت إحالة حوالي 50 ملفاً يتعلق بالفصل الجامعي أو الإيقاف المؤقت للطلاب حتى الآن إلى وزارة التعليم العالي، وعدد الطلاب الذين صدر بحقهم قرار الفصل يقل عن 5 طلاب”. (وكالة “إيسنا” للأنباء، 18 سبتمبر 2024).
وأعلن الأساتذة المفصولون في رسالة مفتوحة موجَّهة لبزشكيان بتاريخ 22 سبتمبر 2024؛ أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي في هذا الشأن حتى الآن. وجاء في هذه الرسالة: “نحن مجموعة من الأساتذة المفصولين، ونطالب بإصدار بيان واضح واتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الشأن، وذلك لتوضيح ما إذا كانت هناك إرادة حقيقية لحل المشكلة أم أن الأمر يتعلق فقط بإعادة توظيف حفنة من الأساتذة بغرض استغلال هذه القضية للدعاية!”

ما هي الحلول المطروحة لإعادة الطلاب والأساتذة إلى الجامعات؟
أشار الأساتذة المفصولون من الجامعات في رسالتهم إلى سبب فصلهم قائلين:
” ما تعرضنا له من ظلم هو نتاج آلية غير علمية وغير شفافة لتقييم الكفاءات وتغيير الوضع الوظيفي، بالإضافة إلى التحقيق في الأفكار، وقمع حرية الفكر، وعدم التسامح مع الفكر النقدي. يكمن جوهر المشكلة في وجود قوانين وأنظمة تتعارض مع مبدأ “الحرية الأكاديمية”، التي تم إقرارها في السنوات الأخيرة. وهي القوانين والأنظمة التي منحت صلاحيات واسعة للمؤسسات السلطوية غير الأكاديمية لقمع الأساتذة.
وأصبحت عملية التحقيق وتقييم الكفاءات العامة في الجامعات ساحة لصراع النفوذ والتدخل بين المؤسسات الأيديولوجية والسياسية والأمنية، لدرجة أن الجامعة ومجمعها العلمي والإداري تحولت إلى أداة لتنفيذ أجندات هذه المؤسسات في اختيار أعضاء هيئة التدريس وتقييمهم! إن ما يُطرح تحت مسمى “شرعية” فصل الأساتذة هو نتاج آلية قانونية مشوهة وغير مسؤولة. ومن الواضح أن القانون يُحترم إذا كان يحمي حقوق الإنسان لجميع المواطنين، وألا يكون متعارضاً مع مبدأ الحيادية والعدالة كنوع من الإنصاف. إن مثل هذا التشريع الاستبدادي وغير العادل هو جذر الفساد وعدم الكفاءة في الجامعة”.
لقد خلصوا إلى أن عودة الأساتذة المخالفين والمنتقدين أمر ممكن ومرغوب فيه بشرط حدوث تغيير في هذه الآلية المعيبة”.
ولن يتحقق مثل هذا الأمر إلا باستبدال هذا النظام الديكتاتوري الذي لا يتسامح مع أي رأي مخالف؛ بإقامة نظام جمهوري ديمقراطي تعددي في إيران يحترم حقوق الإنسان، ويحكم على أساس سيادة القانون. ولا شك في أن هذا اليوم ليس ببعيد بفضل الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية.