إن كشف النقاب عن بعض الوثائق المتعلقة باغتصاب المتظاهرة المعتقلة نيكا شاكرمي وقتلها قبل وصولها إلى السجن، وضع مرة أخرى وحشية جلادي نظام الملالي في بؤرة اهتمام الرأي العام.
لكن هل يقتصر الاغتصاب في سجون نظام الملالي على احتجاجات عام 2022؟ أم أن هناك أمثلة أخرى على هذه الجرائم البشعة في تاريخ نظام الملالي؟
للإجابة على هذه الأسئلة وبمناسبة اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب؛ نعود إلى 43 سنة مضت، أي إلى عام 1981، حيث بدأت عمليات القتل الجماعي والوحشي في ذلك العام.
دائماً ما كان السجن في ظل الحكم الديكتاتوري للملالي مسرحاً للمواجهة العنيفة بين السجينات السياسيات والسلطة، بيد أن الظروف تفرض على السجينات السياسيات صعوبات شديدة للغاية. وتضم السجون في إيران نساء وفتيات في مرحلة الطفولة تتراوح أعمارهن ما بين 12 و 13 عامًا، حتى النساء الحوامل والمريضات والمسنات. لأنه بعد الاستجابة لضرورة القتال ضد حكم الملالي وتحمل التعذيب الجسدي؛ يجب على النساء أيضًا تحمل الاضطهاد والاغتصاب الممنهج من قبل السجانين والحرّاس.
أصبح الاغتصاب من قبل المحقق والسجان في سجون نظام الملالي؛ لإجبار السجينة على الاستسلام أمرًا شائعًا ومنهجيًا. لقد كان هذا النوع من التعذيب ولا يزال يستخدم كأداة فعالة في الحكومات الدكتاتورية. تمارس حكومة الملالي التمييز ضد المرأة في جميع المجالات من منطلق طبيعتها المناهضة للمرأة، كما أنها تمارس التميز ضد المرأة في التعذيب، خيث يقوم هذا النظام الفاشي بتعذيب المرأة بشكل أكثر شدة وعنفاً بسبب جنسهن، وعندما يواجَه بمقاومتهن، يلجأ إلى التعذيب الجنسي لسحقهن.
مقتطف من كتاب منتظري حول اغتصاب السجينات
نشر حسينعلي منتظري، الذي شغل منصب ولي الفقيه خلفًا لخميني لمدة 10 سنوات؛ كتاب مذكراته في ديسمبر 2000، وهو كتاب يحتوي على وثائق صادمة عن جرائم نظام الملالي.
ويعترف منتظري في كتاب مذكراته بأن اغتصاب الفتيات في سجون نظام الملالي كان أمراً شائعاً وممنهجاً. وبحسب ما كتبه فإن “العديد ممَن تم القبض عليهن على خلفية انتمائهن لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية كنّ من الفتيات. وكانوا يعدمونهن بتهمة محاربة الله. قلتُ لمَن في مناصب القضاء وسجن إيفين وغيرهم، نقلاً عن الإمام (خميني): “لا يجوز إعدام المجاهدات”. وقلت للقضاة ألا يحكموا على الفتيات بالإعدام. هذا ما قلته. ولكنهم حرفوا كلامي” وقالوا على لساني: “لا تعدموا الفتيات قبل أن تتزوجوهن لليلة واحدة في البداية ثم إعدموهن”.
تقارير الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن اغتصاب السجينات
إن هذا الاعتراف الصريح بالاغتصاب المنهجي للفتيات في السجون من قبل الحراس والجلادين لا يقتصر عل فترة زمنية قصيرة. ومن الواضح وفقاً لشهادات الشهود والأدلة المتبقية من الشهيدات، والتي كتبوها على ملابسهن أو أجزاء من أجسادهن قبل إعدامهن، أو أثناء زيارة الحراس لعائلات السجينات؛ أن السجينات السياسيات تعرضن للاغتصاب ابتداءً من صيف عام 1981 فصاعدا.
وفي بعض الحالات لجأت بعض السجينات إلى الانتحار خشية من الاغتصاب، وفقدت بعضهن أحاسيسهن بسبب الاغتصاب من قبل الحراس. وكان المحققون والسجانون يغتصبونهن قبل إعدامهن من أجل حرمان الفتيات العذارى من دخول الجنة . ولم يقتصر الاعتداء الجنسي على الفتيات، بل شمل جميع السجينات من المراهقات حتى المسنات اللواتي تعرضن باستمرار لهذه المعاملة الوحشية اللاإنسانية.
وجاء في تقرير رينالدو كاليندوبل، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران؛ أن السلطات الرسمية في السجن قدمت لعائلات الفتيات السجينات الأعضاء في منظمة مجاهدي خلق شهادات زواج منهن، مما يعني أنه تم الاعتداء عليهن جنسياً قبل تنفيذ حكم الإعدام.
ورد في الفقرة 47 من تقرير رينالدو كاليندوبل، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران، المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان بتاريخ 20 يناير 1987؛ على لسان شهود العيان والسجينات المطلق سراحهن أن من بين مَن تم إعدامهن، نساء حوامل تعرضن للاغتصاب قبل الإعدام”.
وأشار في الفقرة 50 من تقريره إلى الجمعية العامة بتاريخ 13 أكتوبر 1988؛ إلى أنه تحدث مع شهود اعترفن بتعرضهن لشتى أنواع التعذيب، بما في ذلك الاغتصاب. وورد بالاسم في التقرير نفسه، أن امرأة تبلغ من العمر 60 عاماً تعرضت للاغتصاب ثم تم إعدامها.
كما أشار كاليندوبل إلى سجينة بالاسم، في التقرير المؤرخ في 28 يناير 1993 المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان؛ إلى أنها عانت من اضطرابات عقلية وعصبية؛ بسبب تعرضها للتعذيب على مدى 12 عاماً، بما في ذلك الاعتداء الجنسي، إلا أنها لا تزال في السجن حتى الآن.
فتوى مصباح يزدي ومثال عن سجن تبريز
في هذا السياق، من الضروري الرجوع إلى فتوى مصباح يزدي، أحد رجال الدين الرجعيين، التي صدرت في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بموضوع الاعتداء الجنسي في السجون، والتي لم تترك أي مجال للشك أو الغموض. وتكشف هذه الفتوى بوضوح أن السجينة في يد المحقق والسجان تعتبر رهينة، ويمكن للمحقق أن يستخدم أي شكل من أشكال التعذيب، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب الجنسي، في أي وقت وفي أي مكان شاء لانتزاع الاعتراف منها قسرياً.
وفي هذا الصدد، قالت إحدى ضحايا مذبحة عام 1988 في طهران، والتي كانت تبلغ من العمر 26 عاماً وقت تنفيذ الإعدام؛ لشقيقتها في اتصال هاتفي: “يقولون لي أنني غنيمة حرب، وسيفعلون معي ما يشاؤون”. وبعد إعدامها، لم يسلم الحراس جثتها لعائلتها، بل جاءوا لعائلتها بعلبة من الحلويات كمهر.
ونشير فيما يلي إلى مثال عن المعمم موسوي تبريزي، القاضي الشرعي لمحكمة الظلم في تبريز في ذلك الوقت، والمقاومة البطولية لإحدى النساء المجاهدات ضد اغتصابه العلني لها:
تفيد تقارير الشهود أن معظم السجينات من النساء والفتيات اللواتي حوكمن في تبريز تعرضن لتعذيب خاص. وكان المعمم موسوي تبريزي، القاضي الشرعي لمحكمة الظلم في تبريز آنذاك؛ يطلب في البداية من بعض النساء والفتيات اللواتي كان يحاكمهن؛ الزواج المؤقت منهن. ورداً على هذا الطلب، صفعته ثريا أبو الفتحي صفعة قوية. وغضب موسوي تبريزي غضباً شديداً من تصرف ثريا الجريء لدرجة أنه أمر بإعدامها على الفور. كانت ثريا أبو الفتحي طالبة حامل تبلغ من العمر 20 عاماً من أهالي تبريز، وتم إعدامها في أكتوبر 1981 في تبريز.
وتلقت المقاومة الإيرانية تقارير عديدة من سجون طهران وشيراز وأصفهان وبهشهر، والعديد من المدن الأخرى، تثبت أن حراس نظام الملالي كانو يغتصبون المراهقات قبل إعدامهن لحرمانهن من دخول الجنة حسبما يمليه عليهم عقلهم المريض.
كتبت فتاة شابه تبلغ من العمر 21 عاماً في شيراز، في عام 1983، على ملابسها قبل إعدامها أنها تعرضت للاغتصاب 7 مرات.
وفي واقعة أخرى، ذهب حارس سجن إلى منزل إحدى السجينات المؤيدات لمنظمة مجاهدي خلق ومعه صندوق حلوى وبعض المال، وقدم نفسه على أنه “عريس لليلة واحدة”. وكان قد تم في اليوم السابق إعدام هذه الفتاة البالغة من العمر 20 عاماً على يد نظام الملالي، في سجن شيراز.
بعد إعدام فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، في بهشهر، في عام 1981، زاروا والدها وأعطوه علبة حلويات وقالوا له نحن أصهارك.
وأقدمت فتاة في أصفهان تبلغ من العمر 17 عاماً على قطع شرايين يدها بواسطة الزجاج عندما أدركت أنهم سيغتصبونها قبل إعدامها. ونقلوها إلى المستشفى، واغتصبوها بعد أن تعافت، ثم أعدموها رمياً بالرصاص.
ضرورة التحقيق الدولي
يمكن للمرء أن يتخيل مدى قسوة الحراس والمحققين الذين أبلغوا أهالي الفتيات، أثناء إخبارهم بإعدامهن أن طفلتهم المكبلة تعرضت أيضًا للاغتصاب على يد المحققين قبل الإعدام. إن هذه الوحشية تمزق نياط قلب أي إنسان وتؤذي ضميره. ولكم أن تتخيلوا حجم الألم والمعاناة التي تحملتها العائلات.
إن مرور أكثر من 40 عاماً على هذه الجرائم البشعة دون محاسبة المجرمين، وإفلات مرتكبي جرائم الاغتصاب والتعذيب من العقاب، وقتل السجينات السياسيات؛ يشجعهم على التمادي في غيهم وارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم على نطاق أوسع. خلال انتفاضة الشعب الإيراني في عام 2009، وانتفاضة نوفمبر 2019 أيضاً، كانت هناك روايات ووثائق مختلفة حول اغتصاب الفتيات والفتيان المحتجين. وسلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على هذه التقارير حتى عام 2022.
لذلك، من الضروري جداً أن تقوم الهيئات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان بمحاسبة هذه الحكومة ومرتكبي عمليات التعذيب هذه، ووضع حد لحصانة المجرمين الحاكمين، من خلال محاكمتهم.