بداية العام الدراسي الجديد في إيران: المدارس المدمرة، جيل المنتفض
طهران – صباح يوم 23 سبتمبر/ أيلول
في أزقة ضيقة بإحدى حارات جنوب طهران الفقيرة، تقف زهراء، البالغة من العمر 11 عامًا، ممسكة بحقيبة مدرستها البالية بقوة أمام قفل صدئ لباب الصف. لقد رحل معلمها عندما لم يتسلم راتبه، لكن الصمت يعج بالحماس. هذا العام، لن يكون الدرس الأول رياضيات أو قواعد لغوية؛ بل درس الحرية، صوت يعلو يومًا بعد يوم، يدعو الجيل المنتفض لتحويل بداية العام الدراسي إلى بداية التحرر.
ذكريات انتفاضة 2022 ما زالت حية. حينها، حوّل طلاب الثانوية صفوفهم إلى ساحات الانتفاضة. في ما لا يقل عن 1700 مدرسة، وقف الطلاب، وخاصة الفتيات، في وجه نظام الملالي. وبعد عامين من الإنكار الرسمي، اعترف ”غلام حسين محسني إجئي“، رئيس السلطة القضائية، في أيار/ مايو 2025، باعتقال أكثر من 90 ألف طالب ومعلم خلال تلك الاحتجاجات. (تسنيم، 6 مايو/ أيار 2025)
شجاعتهم لا تزال تثير الرعب في قلوب الملالي الحاكمين، وتلهم الجيل المنتفض.

عقود من الثروة، عقود من الإهمال
بعد ما يقرب من نصف قرن من الحكم وتريليونات الدولارات من عائدات النفط، تركت الديكتاتورية الدينية سجلاً من الفشل في التعليم. في بلد غني بالموارد الطبيعية، لا يزال حوالي 18 مليون إيراني أميين أو شبه أميين. (عبد الرضا فولادوند، رئيس منظمة محو الأمية، تسنيم، 24 ديسمبر/كانون الأول 2024)
في العام الدراسي الماضي وحده، لم يطأ حوالي مليوني طفل أرضية الفصول الدراسية. (فرشاد إبراهيم بور، عضو لجنة التعليم في مجلس شورى الملالي، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024)
اضطرت عائلات حوالي 5 ملايين طالب إلى التخلي عن شراء الدفاتر والأقلام بسبب الفقر. (أمير تويسركاني، نائب رئيس مصنعي الأدوات المكتبية، تليغرام “چند ثانيه”، 14 سبتمبر/أيلول 2025)
بدلاً من دعم التعليم، ينفق النظام ما يقرب من ثلث الميزانية الوطنية على القمع الداخلي والحروب الخارجية.
انخفضت ميزانية الجامعات من 4% في عام 2019 إلى 2.8% فقط، وتقلصت حصة المدارس الابتدائية والثانوية من 13.4% إلى 8.7%.

أطفال بلد محرومة من الدعم
يخصص النظام الإيراني أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم، وهو نصف الحد الأدنى الموصى به من اليونسكو. تُظهر تقاريرمجلس شورى الملالي أن 8.2% فقط من نفقات الحكومة تذهب إلى المدارس، وتُستخدم تقريبًا بالكامل للرواتب، تاركة حوالي 2% فقط للصيانة أو المعدات الجديدة.
يبلغ متوسط نفقات الفرد للطالب في إيران 300 دولار فقط، بينما المتوسط العالمي 9,313 دولار، واليابان – بعدد طلاب مشابه- تستثمر 52 ضعفًا أكثر. (شبكة الأخبار الرسمية، 30 يوليو/ تموز 2024)
النتيجة واضحة: نقص يقارب 176 ألف معلم (مركز بحوث مجلس شورى الملالي، 30 يوليو / تموز 2024)، مبانٍ متداعية، وآلاف المدارس الحضرية والريفية بلا أنابيب مياه أو مرافق صحية مناسبة. (تسنيم، 8 يناير 2023)
في خطة عام 2017، وُعد بتخصيص 3 مليارات دولار لتدعيم الفصول الدراسية، لكن تم تخصيص 1.4% فقط. اليوم، لا تزال هناك أكثر من 4000 مدرسة حجرية وأكثر من 1000 مدرسة كونتينر. (تابناك، 26 فبراير/شباط 1399)

تأمين التعليم
بدلاً من حل الأزمة، زاد النظام من إجراءاته الرقابية والقمعية. هذا العام، وقّع الرئيس الخادم لخامنئي أي بزشكيان اتفاقية وضعت المدارس تحت سيطرة الشرطة، مما سمح للقوات الأمنية بمراجعة الكتب المدرسية وتحديد المحتوى التعليمي. وصف وزير التعليم في حكومة بزشكيان نفسه علنًا بـ”الجندي” لقائد الشرطة سيئ السمعة، ”أحمد رضا رادان“، خلال مراسم توقيع الاتفاقية.
تعليم طبقي
بينما تتداعى المدارس الحكومية بسبب الإهمال والنقص، تزدهر امتيازات الطبقة الغنية. يدرس حوالي مليون طفل من الأثرياء في مدارس خاصة برسوم سنوية تتراوح بين 35 و80 مليون تومان، ويستفيدون من فصول صغيرة ومختبرات حديثة. يدرس 100 ألف آخرين في مدارس المواهب المتقدمة. (صحيفة ”ستاره صبح،“ 16 يوليو/ تموز 2023)
في المقابل، يزدحم 15 مليون طالب في فصول حكومية متداعية بلا تدفئة أو تكييف أو كهرباء مستقرة. ارتفع سعر زي المدرسة في 2024 بنسبة 100-150% إلى أكثر من 1.5 مليون تومان – أكثر من أجر أسبوع لعامل براتب شهري 7 ملايين تومان – مما يجبر العائلات على الاختيار بين الطعام والتعليم. (موقع ”نبض بازار“، 8 سبتمبر/ أيلول 2025)

عبء أثقل على الفتيات
وفقًا لقوانين النظام، يمكن للفتيات الزواج من سن 13 عامًا. تُظهر تقارير اليونيسف أن 17% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا تزوجن قبل سن 18، و3% قبل سن 15. في سيستان وبلوشستان، تترك 46% من الفتيات الدراسة بسبب عدم وجود ثانوية قريبة وانعدام أمن الطرق. (موقع ”عصر إيران“، 9 يناير 2025)
على مدى العقد الماضي، اضطرت أكثر من مليون فتاة دون سن 18 إلى الزواج القسري، وأنجبت 15 ألفًا على الأقل قبل سن 15. (إيسنا، 13 أبريل/ نيسان 2022) ومع ذلك، غالبًا ما تكون الفتيات أول من يرفع صوت الاحتجاج.
اختبارات عالمية تكشف الأضرار
يظهر تراجع النظام التعليمي في إيران في المقارنات الدولية. تُظهر نتائج اختبار “برلز” 2021، التي نُشرت في يونيو/ حزيران هذا العام، أن الطلاب الإيرانيين سجلوا 413 في مهارات القراءة، مما يضع إيران في مؤخرة 57 دولة مشاركة. سجلت 46% من الفتيات 422، و54% من الفتيان 405، حتى الفتيات، اللواتي عادةً يتفوقن عالميًا، فقدن تفوقهن.

الدرس الذي علّمه النظام دون قصد
على الرغم من الرقابة وجهاز تغسيل الأدمغة الضخم، فشل نظام الملالي في مهمته الأساسية: إخضاع الطلاب والطالبات. بدلاً من ذلك، زرع بذور الانتفاضة في الجيل المنتفض الذي كان من المفترض أن يكون مطيعًا. تعمل ” وحدات المقاومة” الآن علنًا في المدارس والجامعات، مصممة على إنهاء الاستبداد الديني.
صدى درس الحرية
تبتعد زهراء عن باب الصف المقفل، لكنها ليست مهزومة. تهمس بشعار سمعته من طلاب أكبر سنًا: “المرأة، المقاومة، الحرية.” حولها، يتبادل زملاؤها بهدوء خطط التجمع القادم.
لقد أهدر النظام الإيراني الميزانيات، وحوّل الفصول إلى قواعد أمنية، وحاول إسكات الشباب بالخوف. لكن الجيل المنتفض تعلم الدرس الأهم: الدرس الأول هذا العام هو الحرية – وهم عازمون على كتابة الفصل القادم بأنفسهم.




















