كشف النقاب عن الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان و الجريمة ضد الإنسانية في إيران
شهد شهر مارس انعقاد مؤتمر مهم في مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف حول انتهاك حقوق الإنسان في إيران. وفضلاً عن ذلك نشرت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان العديد من التقارير المتعلقة بكشف النقاب عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام الإيراني وانتهاكه لحقوق النساء والفتيات.
حيث توصل البروفيسور جاويد رحمان، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بانتهاك حقوق الإنسان في إيران؛ في نهاية فترته الممتدة لمدة 6 سنوات؛ إلى نتائج مهمة تؤكد على ضرورة إجراء تحقيق دولي في مجزرة السجناء السياسيين في إيران عام 1988. وطالب المجتمع الدولي في تقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان؛ بالمساءلة على الأحداث النمطية طويلة الأمد التي لم يتم العقاب عليها بشكل مستمر، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والإعدامات التعسفية الوحشية في عامي 1981 و 1988 من القرن الماضي، واحتجاجات نوفمبر 2019.
قدمت هيئة تقصي الحقائق المستقلة الدولية التي أنشاها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2022 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة خلال الاحتجاجات في إيران؛ تقريرها الأول إلى مؤتمر مجلس حقوق الإنسان في دورته الحالية، وورد في التقرير أن: “قمع الاحتجاجات السلمية بعنف والتمييز المؤسسي والشامل ضد النساء والفتيات أدى إلى أن ترتكب الحكومة الإيرانية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان يرقى العديد منها إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
نشرت منظمة العفو الدولية في مارس 2024 تقريرًا يتضمن شهادات العشرات من النساء والرجال الإيرانيين. يقدم هذا التقرير “نظرة مخيفة على الواقع اليومي للنساء والفتيات” في إيران بسبب “التحرش المتصاعد من قبل السلطات الإيرانية ضدهن، والذي يهدف إلى طمس ومحو مقاومتهن الشجاعة ضد قوانين الحجاب الإجباري المهينة والتمييزية”.
في الوقت نفسه، نشرت المنظمة غير الحكومية “العدالة من أجل إيران” (JFI) ومقرها لندن؛ تقريرًا بعنوان “الحرب على المدنيين، وفضح وحدات القمع الإيرانية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية”. وحدد هذا التقرير 20 وحدة عسكرية و 542 فردًا ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية خلال قمع الاحتجاجات والانتفاضة الوطنية في عام 2023 في إيران.

تقرير المقرر الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران
في تقريره الذي قدَّمه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتاريخ 9 فبراير 2024؛ قدَّم البروفيسور جاويد رحمان مراجعة لأوضاع حقوق الإنسان في إيران. وأعرب عن قلقه العميق من “ارتفاع عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها في إيران”، و”إعدام أشخاص شاركوا في الاحتجاجات ضد الحكومة الإيرانية”، و”إعدام أشخاص ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين” و”إعدام النساء على جرائم مختلفة، بما في ذلك جرائم القتل والزنا”، و” الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، وانتهاك حقوق المحاكمة العادلة “، و”القيود المتزايدة التي تفرضها الحكومة الإيرانية على حرية التعبير”، و” وضع المرأة والفتيات، بما في ذلك قانون وسياسات الحجاب الإجباري، والاعتداء الجنسي والعنف”، و”اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين واحتجازهم”، و”التمييز ضد الأقليات الدينية والعرقية في إيران”.
وضع النساء والفتيات
كان وضع النساء والفتيات أحد الشواغل الرئيسية للمقرر الخاص للأمم المتحدة. وفيما يلي أجزاء من تقريره في هذا الصدد.
70. خلال فترة ولايته، قدم المقرر الخاص بعض التوصيات، وطالب السلطات الإيرانية بإلغاء جميع أشكال التحرش والتمييز والعنف ضد النساء والفتيات في القانون وعلى أرض الواقع، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتمتعهن بالمساواة بالرجال في المشاركة في الحياة العامة. وضمان حماية حقوق المدافعات عن حقوق الإنسان؛ وتصديق وتنفيذ كامل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ويشعر بالأسف لأن السلطات الإيرانية تصر بشكل فعال على نظام الفصل العنصري بين الجنسين، وتصر على القوانين والسياسات والإجراءات الصارمة التي تنتهك بشكل مطرد حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية للفتيات والنساء الإيرانيات. ويطالب المقرر الخاص السلطات الإيرانية باحترام حقوق الإنسان الأساسية وكرامة جميع الفتيات والنساء الإيرانيات، والسماح لهن باتخاذ قرارات واعية بشأن كيفية التعبير عن أنفسهن، خاصة فيما يتعلق بالملبس.
القواعد والأساليب التي تشجع على ممارسة العنف ضد النساء و الفتيات
71. يسعى المقرر الخاص إلى إنهاء مراقبة ملابس أو سلوك النساء في الحياة العامة، وبالتحديد المراقبة التي يضطلع بها ما يسمى بـ “شرطة الأخلاق” أو تقنية المراقبة فوراً.
72. أعلن المقرر الخاص بوضوح مراراً وتكراراً أن العنف ضد الفتيات والنساء أمر غير مقبول. مع ذلك، فقد أُصيب بالصدمة من استمرار القوانين والإجراءات التي لا تزال تدعم وتشجع على ممارسة العنف ضد النساء والفتيات. وتجدر الإشارة إلى أن القوانين المعادية للمرأة والممارسات والسلوكيات التمييزية لا تزال معمول بها في العديد من جوانب الحياة العامة والخاصة. ولا تزال أنظمة العدالة الجنائية تُبرئ مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات أو تخفف من عقوباتهم، كما تُعفِيهم من المسؤولية الجنائية والقِصاص.
سن المسؤولية الجنائية
73. لا يزال المقررالخاص قلقًا للغاية بشأن سن المسؤولية الجنائية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنّ تحميل المسؤولية الجنائية للفتيات من سن 9 سنوات هجرية في جرائم القصاص والحدود؛ لم يؤد فحسب إلى نتائج مأساوية تمثلت في الحكم بالإعدام على فتيات ارتكبن جرائم وإعدامهن، بل يُعدّ أيضًا تمييزًا جنسيًا صارخًا وانتهاكاً للقوانين الدولية لحقوق الإنسان. عند مراجعة هذه الحالات، من المُؤسف للغاية أن نلاحظ أنّ الفتيات اللواتي تم إعدامهن كنّ ضحايا للعنف الأسري أو الزواج القسري.كان المقرر الخاص قد حذّر سابقًا في عام 2018 من إعدام محبوبة مفيدي، وزينب سکانوند، وأعرب عن قلقه العميق بشأن قضية سميرا سبزيان التي تم إعدامها في ديسمبر 2023.
انعدام مشاركة المرأة في القيادة السياسية والإدارية
74. يأسف المقرر الخاص من غياب المرأة شبه الكامل في أدوار القيادة السياسية والإدارية في البلاد، وهو ما تأكد من خلال عدم قبول ترشح أي امرأة للمناصب القيادية ورئاسة الجمهورية. فلا توجد حالياً أي امرأة في مجلس الخبراء، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور. لا يزال تمثيل المرأة في مجلس الشورى الإسلامي ضعيفًا – في انتخابات مجلس الشورى التي أُجريت في فبراير 2020، فازت المرأة بـ 16 مقعدًا فقط من أصل 290 مقعدًا (أي بنسبة 5.8 في المائة)، واستبعد مجلس صيانة الدستور 60 في المائة من إجمالي المرشحات. لا توجد وزيرة في الحكومة. وبينما تم تعيين ثلاث نساء كمحافظات من إجمالي 430 محافظة، تم نقلهن جميعاً إلى مكان آخر بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا للجمهورية. وتفيد التقارير أن امرأة واحدة تعمل كمحافظ مدينة، وامرأة واحدة تعمل كنائبة لرئيس الجمهورية لشؤون المرأة والأسرة؛ منذ سبتمبر عام 2023. والجدير بالذكر أنه لا يمكن للمرأة أن تعمل كرئيسة للسلطة القضائية، ولا يمكن تعيينها كقاضية.
سن زواج الفتيات
75. فيما يتعلق بسن البلوغ، فإن سن الزواج الذي لا يزال ساريًا في الوقت الراهن للفتيات هو 13 عامًا، ويمكن حتى للفتيات الأصغر سنًا الزواج بموجب موافقة الأب وتأييد المحكمة. والحقيقة هي أن زواج الأطفال يُعدّ زواجًا قسريًا، وهو في حد ذاته مدمر لحياة الصبايا. يشعر المقرر الخاص بقلق بالغ إزاء ارتفاع عدد زواج الأطفال في السنوات الأخيرة. ويطالب السلطات بإلغاء زواج الأطفال، ورفع سن الزواج للرجال والنساء إلى 18 عامًا على الأقل.
76. هناك خيبة أمل كبيرة فيما يتعلق بالتمييز الجنسي الفطري على جميع مستويات المؤسسية، وكذلك في القانون والممارسات والمواقف الاجتماعية.
الحصانة المؤسسة وعدم المساءلة
أعرب المقرر الخاص للأمم المتحدة في الجزء المتعلق باستمرار الحصانة المؤسسة وعدم المساءلة عن أسفه لأن “استمرار الإفلات من العقاب وعدم المساءلة هو أحد السمات البارزة ولكن المؤسفة للدستور والنظام السياسي والقانوني للجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
عدم إجراء تحقيق مستقل وشفاف في وفاة مهسا (جينا) أميني
يشعر المقرر الخاص بالأسف الشديد لعدم إجراء أي تحقيق مستقل ومحايد وشفاف في وفاة السيدة مهسا (جینا) أميني في معتقل الشرطة، وكذلك مقتل المئات من المحتجين، وخاصة النساء والأطفال. في سياق الاحتجاجات اللاحقة… على الرغم من أشد الكوارث التي واجهها الشعب الإيراني، فإنه من المحبط للغاية أن السلطات قصرت في إجراء تحقيقات محايدة ومستقلة وشفافة في هذه الحالات. ولم تتم محاسبة أي من مسؤولي الأمن أو الضباط الآخرين المسؤولين، أو فرض عقوبات عليهم، أو إقالتهم من مناصبهم.
عدم إجراء تحقيق مستقل في تسميم طالبات المدارس
83. بِطريقة مشابهة، يُعرب المقرر الخاص عن أسفه لعدم قيام السلطات بإجراء تحقيق مستقل ومحايد وشفاف بشأن تسميم آلاف الطالبات المبلغ عنهن في عامي 2022 و 2023. في حين أن السلطات ادعت أنها حققت في هذه الأحداث، ولم يتضح بعد ما إذا كانت قد تمت مساءلة الأشخاص المتورطين في الهجمات السامة المتعمدة على المدارس الثانوية للبنات من عدمه.
عدم وجود إطار للمساءلة في القانون وعلى أرض الواقع
86. بالإضافة إلى الجرائم الأخيرة، وثَّق المقرر الخاص، وآليات حقوق الإنسان الأخرى، والمجتمع المدني حالات تاريخية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من بينها قتل المتظاهرين، والتعذيب، والاعتقال،، والإعدام، والاختفاء القسري لعدد كبير من الأشخاص خلال الاحتجاجات الوطنية في أعوام 2027 و 2019 و 2021. وتشمل الأمثلة الأخرى الاختفاء القسري على نطاق واسع والإعدامات البربرية والتعسفية للمعارضين السياسيين الحقيقيين والمشتبه بهم (بالمعارضة السياسية)، بما في ذلك الأطفال، في أعوام 1981 و 1982 و 1988. ويجب العلم بأن السلطات الإيرانية لم تحقق في أي من هذه الأحداث أو تجري استجواب أو تفحصها، ولم تتم محاسبة المسؤولين عنها. من ناحية أخرى، تم استخدام الجهاز الحكومي للقضاء على جميع الأدلة المتبقية من هذه الجرائم، وكذلك مضايقة واستهداف الأشخاص الذين يسعون إلى المساءلة وتحقيق العدالة، مما يبدو أنه تم اتخاذ سياسة متعمدة لمحو هذه الأحداث من الذاكرة.
سياسة الدولة في ترهيب وإيذاء عائلات الضحايا التي تطالب بالعدالة
87. الجدير بالذكر أن ثقافة الإفلات من العقاب تحولت إلى سياسة دولة تهدف إلى ترهيب وإيذاء جميع مَن يسعون إلى المساءلة والحقيقة وتحقيق العدالة. ويؤدي الإفلات المؤسسي والراسخ من العقاب إلى الإيذاء المنهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين وغيرهم من الأشخاص الذين يسعون إلى المساءلة، في نمط ظهر على مدار عقود عديدة، مما أدى بشكل مستمر ومنهجي إلى حرمان ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وعائلاتهم من الحقيقة وتحقيق إلى العدالة.
الافتقار إلى سلطة قضائية مستقلة
88. يعرب المقرر الخاص عن أسفه من فقدان سلطة قضائية مستقلة، وتسييسها المستمر، خاصة من خلال استخدام محاكم الثورة، وهي العامل الرئيسي في عدم المساءلة داخل البلاد. ودائماً ما تنتهك السلطة القضائية، بما في ذلك محاكم الثورة؛ سيادة القانون ومبادئ العدالة الطبيعية والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان التي تعهدت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلى الرغم من المطالبات المتكررة من قِبل هيئات وخبراء الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان لإجراء مثل هذه التحقيقات، إلا أن السلطات الإيرانية ترفض باستمرار إجراء تحقيقات تتوافق مع القانون الدولي في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وبدلاً من السماح للضحايا أو العائلات أو محاميهم بالمشاركة الفعالة في التحقيقات، نجدهم يتعرضون في أغلب الحالات للترهيب وسوء المعاملة لمنعهم من تقديم الشكاوى أو الاحتجاج أو تثبيط عزيمتهم.
المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء القوانين الإجبارية للملبس، والمطالبة بالمساءلة
طالب البروفيسور جاويد رحمان، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران؛ السلطات الإيرانية بإلغاء عقوبة الإعدام فوراً على جميع الجرائم؛ من خلال التشريع. ومن بين التوصيات التي قدمها للسلطات الإيرانية ما يلي:
- إلغاء جميع القوانين واللوائح التي تفرض مجموعة قوانين بشأن الملبس الإجباري، وإلغاء اللوائح والإجراءات التي بموجبها تراقب المنظمات الحكومية ملابس المرأة أو سلوكها في الحياة العامة أو الخاصة أو التحكم فيها.
- إلغاء القانون الذي يخفف العقوبات على مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات أو يبرئهم، بما في ذلك جرائم القتل بدافع الشرف، والممارسات الإجرامية في الزواج.
- تعديل الدستور وإلغاء القوانين والممارسات التمييزية على أساس النوع الاجتماعي.
- وضع حد لزواج الأطفال، بما في ذلك رفع سن الزواج القانوني إلى ما لا يقل عن 18 عامًا.
- إجراء تحقيقات مستقلة وحيادية وشاملة وفعالة وموثوقة وشفافة في مقتل جينا “مهسا” أميني، وآرميتا كراوند، وجميع الفتيات والنساء؛ اعتباراً من شهر سبتمبر 2022 حتى الآن، وضمان محاسبة جميع الجناة المتورطين.
- يجب على الفور وضع حد لكافة أشكال العنف، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي والتحرش بالفتيات والنساء المتظاهرات، وإجراء تحقيقات فورية ومستقلة ومحايدة في استهداف الفتيات والنساء، وفي أعمال العنف، ومن بينها الاغتصاب والعنف الجنسي والتمييز ضد الفتيات والنساء، واتخاذ خطوات ملموسة فورية لاعتقال جميع الجناة المتورطين في جرائم العنف ضد الفتيات والنساء، ومن بينها تسميم الفتيات في المدارس.
كما طالب المقرر الخاص المجتمع الدولي “بأن يطالب بالمساءلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأحداث النمطية الطويلة الأمد التي تم التعامل تجاهها بالإعفاءات المستمرة، ومن بينها الاختفاء القسري والإعدامات البربرية والتعسفية في عامي 1981 و 1988، واحتجاجات نوفمبر عام 2019”.

اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق
توصلت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن إيران في تقريرها الأول الصادر في 8 مارس 2024 إلى أن النظام الإيراني ارتكب “جرائم ضد الإنسانية” جراء ما اتخذه من إجراءات أثناء قمع الاحتجاجات التي بدأت في سبتمبر 2022.”
“لقد أدى القمع العنيف للاحتجاجات السلمية والتمييز الهيكلي المنتشر ضد النساء والفتيات؛ إلى ارتكاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية في كثير من الحالات”.
يُحمّل هذا التقرير النظام الإيراني مسؤولية “العنف الجسدي” الذي أدى إلى وفاة مهسا أميني في سبتمبر 2022.
وجاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم تشمل بموجب القانون الدولي القتل، والإعدام خارج نطاق القضاء، والوفيات غير القانونية، والاستخدام غير الضروري والعشوائي للسلطات القسرية، وسلب الحق في الحرية بشكل تعسفي، والتعذيب، والاغتصاب، وحالات الاختفاء القسري، والملاحقة، والعنف المتعلق بالنوع الاجتماعي.
وفقًا لهذا التقرير؛ أثر نظام الملالي على النساء والأطفال والأقليات الإثنية والدينية والمذهبية بشكل خاص، من خلال “استخدامه غير الضروري وغير المناسب للقوة المميتة” لقمع الاحتجاجات.
وذكر البيان أن قوات الأمن الإيرانية اعتدت جنسياً على المعتقلين، وأضاف أنها استخدمت المحملة بالكريات، والبنادق الهجومية والرشاشات ضد المتظاهرين “في ظروف لم يتعرضوا فيها للتهديد الوشيك بالموت أو الإصابة بجروح خطيرة”. وبهذه الطريقة ارتكبوا جرائم قتل غير المشروعة وخارج نطاق القانون.
أدركت لجنة تقصي الحقائق أن “موجة من الإصابات الخطيرة في عيون المحتجين أدت إلى إعماء عدد كبير من النساء والرجال والأطفال مدى الحياة.”
التشجيع على اللجوء إلى التعذيب لانتزاع اعترافات قسرية
كانت السلطات الحكومية تلجأ إلى تعذيب الضحايا في المعتقل لانتزاع اعترافات قسرية أو لترهيبهم أو إذلالهم أو معاقبتهم. قالت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق: “إن السلطات القمعية تضاعف استهداف عائلات الضحايا، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمحامين، والأطباء، والعديد من الأشخاص الآخرين لمجرد التعبير عن آرائهم، أو دعم المحتجين، أو السعي للبحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا.”
“لقد شجع المسؤولون الحكوميون على أعلى المستويات؛ انتهاكات حقوق الإنسان وأيدوها وبرروها، من خلال تصريحات تبرر تصرفات وسلوكيات قوات الأمن”.
وبناءً على ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق من نتائج، فإن القوات الأمنية في البلاد، وخاصةً قوات حرس نظام الملالي، وقوات الباسيج، وقيادة الشرطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية (فرجا) وغيرهما من القوات، متورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم بموجب القانون الدولي”.
وأُعلن في 20 ديسمبر 2022، أن رئيس مجلس حقوق الإنسان، سارا حسين (بنغلاديش)، وشاهين سردار علي (باكستان)، و ويويانا كريستيتشيفيتش (الأرجنتين) ثلاثة أعضاء مستقلين في لجنة تقصي الحقائق، وعُينت سارا حسين رئيسة للجنة.
الدعوة لوقف عمليات الإعدام والإفراج عن جميع المحتجين المعتقلين
قدمت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق إلى الاستنتاجات والتوصيات التالية:
122. كان التمييز الهيكلي والمؤسسي المنتشر والمتجذر ضد النساء والفتيات، والذي تغلغل في جميع مجالات حياتهن العامة والخاصة، بمثابة دافع وعامل في آن واحد لارتكاب انتهاكات واسعة النطاق وخطيرة لحقوق الإنسان، وارتكاب الجرائم بموجب القوانين الدولية ضد النساء والفتيات في جمهورية إيران الإسلامية، وغيرها من الدول التي تدافع عن المساواة وحقوق الإنسان.
123. نظراً لأهمية النتائج التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق، فإنها تدعو السلطات الإيرانية إلى وقف جميع عمليات الإعدام، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص الذين تم اعتقالهم واحتجازهم بشكل تعسفي في سياق الاحتجاجات أو بسبب عدم الامتثال للحجاب الإلزامي أو دعمه. وضع حدٍّ للاضطهاد القضائي للمحتجين والضحايا وعائلاتهم، وإلغاء القوانين التمييزية ضدّ النساء والفتيات، وكذلك ضدّ الرجال والفتيان، ولا سيما القوا نين المتعلقة بالحجاب الإلزامي ونظام تطبيقها.
124. تدعو اللجنة المذكورة السلطات الإيرانية إلى التوصل إلى الحقيقة وتحقيق العدالة ودفع تعويضات لضحايا انتهاك حقوق الإنسان والناجين وعائلاتهم؛ التي حدثت أثناء الاحتجاجات التي بدأت في 16 سبتمبر 2022، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ونظراً لانتشار الإفلات من العقاب والتمييز الهيكلي داخل البلاد، ينبغي تقديم تعويضات تحويلية للضحايا، ومن بينها تعويض الخسائر، ودفع تعويضات، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، والترضية (على سبيل المثال، إحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم)، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.
ضرورة تمديد مهمة لجنة تقصي الحقائق
125. ونظراً للنتائج المهمة التي توصلت إليها اللجنة المشار إليها، يمكنها تعزيز وثائقها حول التمييز الهيكلي والمؤسسي في سياق الاحتجاجات التي كشفت عنها، مع منحها المزيد من الوقت، وضمان الحفاظ على الأدلة بشكل فعال لاستخدامها في الإجراءات القانونية.
126. تؤكد شجاعة وصمود النساء والرجال والأطفال في حركة “المرأة، الحياة، الحرية” على الحاجة الملحة للتضامن العالمي مع أولئك الذين يواصلون النضال من أجل المساواة وتحقيق العدالة والحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، وعلى حقوق النساء والفتيات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
منظمة العفو الدولية: حملة بربرية قاسية لفرض قوانين الحجاب الإجباري
إيران: الحملة البربرية القاسية لفرض قوانين الحجاب الإجباري من خلال المطاردة والمصادرة الجماعية للسيارات هي عنوان التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية في 6 مارس 2024.
يركز هذا التقرير على مشروع قانون الحجاب والعفاف الذي أوشك على التصديق عليه في مجلس شورى الملالي. ويهدف هذا المشروع إلى تقنين اعتداءات السلطات على النساء والفتيات وتكثيفها بسبب التمرد على ارتداء الحجاب الإجباري.
قالت منظمة العفو الدولية، عشية اليوم العالمي للمرأة، إن السلطات الإيرانية أطلقت حملة واسعة النطاق لتنفيذ قوانين الحجاب الإلزامي القمعية، من خلال مراقبة لانساء والفتيات ومطاردتهن على نطاق واسع في الأماكن العامة، وقيام الشرطة بعمليات تفتيش واسعة النطاق تستهدف السائقات.
ويتضمن التقرير الجديد لمنظمة العفو الدولية شهادات 46 شخصاً، من بينهم 41 امرأة وفتاة وأربعة رجال. أُجريت هذه المقابلات في فبراير 2024، فضلاً عن مراجعة الوثائق الرسمية، ومن بينها أحكام المحكمة وأوامر النيابة العامة. وتشير هذه المقابلات والوثائق إلى تورط عدد كبير من الجهات الحكومية في اضطهاد النساء والفتيات لاستخدامهن حقوقهن في الاستقلال الجسدي وحرية التعبير والرأي.
نشرت منظمة العفو الدولية مقتطفات من 20 شهادة لإلقاء نظرة سريعة على الواقع اليومي المروع الذي تواجهه النساء والفتيات في إيران.
قالت ديانا الطحاوي، مساعد مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “في محاولة مشؤومة للقضاء على مقاومة الحجاب الإلزامي في أعقاب انتفاضة “المرأة، والحياة، والحرية”؛ تقوم السلطات الإيرانية بترويع النساء والفتيات، من خلال المراقبة والمتابعة المستمرة. ويعطلون حياتهن اليومية ويسببون لهن ضيقًا نفسيًا شديدًا. وتتضمن تكتيكاتهم الصارمة كل شيء بدءاً من إيقاف السائقات على الطرق ومصادرة سياراتهن بشكل جماعي وصولاً إلى تنفيذ عقوبات الجلد غير الإنسانية والزج بهن في السجون”.
ويفيد تقرير منظمة العفو الدولية أن التصريحات الرسمية تشير إلى أن شرطة الأمن الأخلاقي الإيرانية أصدرت أمراً منذ أبريل 2023 بمصادرة مئات الآلاف من المركبات بشكل تعسفي، بما في ذلك تلك التي تقودها إناث أو تقل نساءً، وحتى الفتيات البالغات التاسعة من العمر، بدون حجاب أو يرتدين”حجاب غير مناسب”. وفقًا للشهادات، تستند هذه الأوامر إلى صور التقطتها كاميرات المراقبة أو تقارير رجال الأمن المتنكرين في ملابس مدنية، والذين يقومون بدوريات في الشوارع ويستخدمون تطبيقاً للشرطة باسم “ناظر” للإبلاغ عن أرقام لوحات السيارات التي تقودها نساء أو تقل نساء متمردات على قوانين الحجاب الإجباري.
وقد تلقّت النساء المستهدفات وأقاربهن رسائل نصية و مكالمات هاتفية تهديدية تأمرهن بتقديم أنفسهن لشرطة الأمن الأخلاقي لتسليم سياراتهن كعقاب على عدم الالتزام بالحجاب الإجباري. وفحصت منظمة العفو الدولية لقطات شاشة لـ 60 رسالة نصية من هذا النوع تم إرسالها لـ 22 امرأة ورجل خلال العام الماضي.
كما شرحت النساء لمنظمة العفو الدولية كيف يتم منع وصولهن إلى وسائل النقل العام والمطارات والخدمات المصرفية بشكل منتظم واشتراط ارتداء الحجاب. وأوضحت النساء كيف منع الموظفون الحكوميون، خاصة في المطارات، الوصول إلى النساء والفتيات المرتديات القبعات من الوصول إلى الخدمات، وفحصوا طول وملاءمة الأكمام والسراويل وزيهن الرسمي.
كما توضح النساء لمنظمة العفو الدولية أن مثل هذه اللقاءات عادة ما تكون مصحوبة بإساءات لفظية، من بينها الإهانات الجنسية والتهديدات بالملاحقة القضائية. كما أخبرت امرأة المنظمة عن حادثة وقعت في أواخر عام 2023؛ سدد فيها أحد محصلي التذاكر في محطة مترو طهران لكمة في صدر ابن عمها البالغ من العمر 21 عاماً.
وقالت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً لمنظمة العفو الدولية إن مدير مدرستها أوقفها مؤقتاً بعد أن التقطتها كاميرا المراقبة في أحد الفصول الدراسية دون حجاب، وهددها بإبلاغ جهاز مخابرات قوات حرس نظام الملالي عنها إذا خلعت الحجاب مرة أخرى.
ونفذت السلطات، في يناير 2024، حكماً بالجلد 74 جلدة على رويا حشمتي بسبب خلع الحجاب في الأماكن العامة. وروت في شهادة نشرتها على حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أنها تعرضت للجلد على يد رجل مسؤول أمام قاض في غرفة وصفتها بأنها “غرفة تعذيب من العصور الوسطى”.

العدالة من أجل إيران: فضح الوحدات القمعية في إيران وجرائمها ضد الإنسانية
نشرت منظمة العدالة من أجل إيران التي تتخذ من لندن مقراً لها؛ تقريرها في 6 مارس 2024 بعنوان “الحرب ضد المدنيين وفضح وحدات إيران القمعية وجرائمها ضد الإنسانية”، وتنتقد العدالة من أجل إيران بشدة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في قمع احتجاجات عام 2022 في إيران.
تعاملت قوات الأمن مع الاحتجاجات على أنها نزاع مسلح، ونشرت وحدات عسكرية واستخدمت الأسلحة الفتاكة لقمع المظاهرات. وشمل هذا القمع إطلاق النار العشوائي، واستهداف المدنيين والمشاة والمباني. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت قوات الأمن العنف الوحشي ضد المعتقلين وتم تجنيد الأطفال كجنود. ووفقاً لمنظمة العدالة من أجل إيران، فإن هذه الإجراءات إلى جانب تصوير الحكومة للاحتجاجات على أنها “حرب ضد الحكومة”، قد تكون جريمة ضد الإنسانية.
يستند هذا التقرير إلى مراجعة 35,000 وثيقة صوتية ومرئية جمعتها منظمة العدالة من أجل إيران.
وحددت منظمة “العدالة من أجل إيران” ما لا يقل عن عشرين وحدة قمع في قوات حرس نظام الملالي والباسيج وقوات الشرطة. وتنحصر مسؤولية بعض هذه الوحدات العسكرية في قمع الاحتجاجات، ومن بينها كتائب الإمام الحسين القتالية في جيش المحافظة والوحدات القتالية التابعة للوحدة الخاصة من قبيل لواء 3 حمزة سيد الشهداء، واللواء 15 من الوحدة الخاصة للإمام الحسن، ووحدة المهدي الخاصة. وتم طرح هذه القضية للنقاش لأول مرة من منظور حقوق الإنسان في إطار الحقوق الدولية.كما حدد هذا التقرير 526 شخصًا متورطين في الجريمة ضد المتظاهرين.
تشير نتائج هذا التقرير المكون من 250 صفحة إلى أن مسؤولي الجمهورية الإسلامية على أعلى المستويات قد ردوا على الاحتجاجات تحت عنوان “الحرب المركبة” واعتبروها صراعًا مسلحًا. وصنفوا المتظاهرين كمقاتلين أو محاربين، ونشروا وحدات قتالية عسكرية متخصصة في مواجهة وقتل المقاتلين المسلحين إلى جانب قوات أمنية مجهزة بأسلحة خفيفة وثقيلة فتاكة من الدرجة العسكرية لقمع المتظاهرين. وقد سُمح لهذه القوات بقتل وتعذيب وترهيب المتظاهرين وحتى المارة الذين يصنفون بشكل واضح وفقا لمبادئ القانون الدولي على أنهم مدنيون.
وتشير نتائج هذا التقرير إلى أن قوات الأمن تعمدت استهداف المتظاهرين والمشاة والسيارات المارة، ووسائل النقل العام، والمباني السكنية، والمباني التجارية، والمراكز الطبية في إطار خطة مُعدّة ومُدربة مسبقًا لإثارة الرعب بين المواطنين وترويعهم. وتم تنفيذ هذه الإجراءات على نطاق واسع في 15 مدينة على الأقل في 10 محافظات. وتُظهر مقاطع الفيديو التي جمعتها منظمة “العدالة من أجل إيران” ما لا يقل عن 40 حالة إطلاق نار عشوائي على المتظاهرين والمشاة والسيارات المارة، و63 حالة إطلاق نار على المباني السكنية والمتاجر والمستشفيات.
حان الوقت لوضع حدٍ للإفلات من العقاب ومحاسبة الجناة
للمرة الأولى، أكدت هيئة تابعة للأمم المتحدة أن بعض الجرائم التي ارتُكبت خلال احتجاجات عام 2022 في إيران هي جرائم ضد الإنسانية. وفي الوقت نفسه، أكد المقرر الخاص للأمم المتحدة على ضرورة محاسبة النظام الإيراني على عمليات الإعدام التعسفية والاختفاء القسري التي وقعت في أعوام 1981 1982 و 1988، وخلال احتجاجات نوفمبر 2019.
كما تؤكد التقارير والنتائج التي توصلت إليها المنظمات غير الحكومية الأخرى ومنظمات حقوق الإنسان على حدوث انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وحقوق المرأة في إيران.
لقد حان الوقت لإحالة انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم الدولية.