من كتاب بقلم هنغامة حاج حسن – الجزء الخامس
في الجزء الرابع من ذكريات السجن، نقلًا عن كتاب “وجهًا لوجه مع الوحش” لهنغامة حاج حسن، ممرضة مستشفى سينا في طهران، تابعنا ذكرياتها في السجن وكيفية التعذيب النفسي في سجن خميني. في هذا الجزء، نقرأ قصة المقاومة البطولية لزوجين بطلين تحت التعذيب:
زوجان بطلان
في أحد الأيام، كنا جالسين في الزنزانة عندما فتحوا الباب ودفعوا إلى الداخل أختًا طويلة القامة ترتدي ملابس المرضى الخفيفة في المستشفى. كان على رأسها منشفة صغيرة بدلاً من الحجاب، تتدلى على جانبي وجهها. كانت شاحبة ومرهقة. نهضنا على الفور، أمسكنا بيدها وساعدناها على الجلوس.
عندما جلست، انزلقت المنشفة من جانبي وجهها، فظهر وجهها الجميل الشاب بعينيها العسليتين اللامعتين وجبهتها العريضة. كان فمها مصابًا بجروح شديدة وملتهبة، بل يمكن القول إنه متفسخ، مما جعلها غير قادرة على الكلام. حاولت، بابتسامة خافتة ومتواضعة وبعينيها اللامعتين لكن المتعبتين، أن ترد على تحيتنا وترحيبنا وتشكرنا.
سارعنا بإلباسها ملابس دافئة وصنعنا لها ماء وسكر لأنها لم تكن قادرة على تناول شيء بسبب حالة فمها. بالطبع، لم يكن لدينا سوى ماء السكر. تركناها لترتاح قليلاً، ثم قدمنا أنفسنا لها وقلنا إن تهمتنا هي تأييد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
كان هذا تقليدنا في السجن: أن نعبر عن مواقفنا بطريقة لا تحمل معلومات حساسة، لأن النظام كان يزرع بيننا بعض المنشقين والجواسيس الذين كان عملهم التجسس والإبلاغ للمحققين. لذا كنا نحترس ولا نعطي معلومات زائدة لأحد، لكن بلغتنا هذه ومع مراعاة الحذر، كنا ننقل كل الأخبار والمعلومات الضرورية لمن يحتاجها. وكان الطرف الآخر يتبع نفس النهج ولا يطالب بمعلومات إضافية، لأنه يعلم جيدًا أن أي معلومة زائدة قد تصبح وبالاً عليه.
كانت الأخت الوافدة الجديدة تُدعى ”أفسانة أفضل نيا“، وزوجها عباس بيشداديان، وكلاهما طالبان في جامعة طهران. كانت أفسانة ، على ما أتذكر، تدرس العلوم الاجتماعية، وكان لديهما ابنة عمرها ستة أشهر تُدعى فاطمة. تم التعرف عليهما من قبل الحرس في شارع ”مصدق“، وقاوما أثناء الاعتقال، فأُصيبا بجروح بالغة. نُقلا أولاً إلى المستشفى لتلقي العلاج، وبعد ثلاثة أيام تم نقلهما إلى سجن إيفين للتحقيق والتعذيب.

بسبب عدم قدرتها على تناول الطعام، كانت ضعيفة جدًا. مهما توسلنا إلى السجانين لإعطائها حليبًا أو طعامًا يمكنها تناوله، لم يكن ذلك مجديًا. كنا نعطيها ماء السكر وأي سائل من الطعام باستثناء الأرز، لكن حتى هذه السوائل كانت تحرق جروح فمها، وكانت تتناول كميات قليلة بصعوبة بالغة.
ورغم ذلك، كان الجلادون يأخذونها للتحقيق. قالت إنهم يطالبونها بعنوان منزل في منطقة ”تجريش“ في طهران لا تعرفه، ولهذا كانوا يعذبونها. كانت تقول ذلك لنا عمدًا على أمل أن يصل الخبر يومًا إلى المنظمة بأن منزل تجريش لم يكشفه أحد، وإذا لزم الأمر يجب إخلاؤه بسرعة.
في إحدى المرات، عادت من التحقيق منزعجة جدًا لكنها صلبة في الوقت ذاته. وبينما الدموع تتجمع في عينيها، قالت: “هؤلاء متوحشون جدًا، أخذوني إلى زوجي، لم أتعرف عليه، كان جسده غارقًا في الدم. لا أعرف ماذا فعلوا به، كل شيء فيه كان مغطى بالدم: يديه، أصابع يديه وقدميه، رأسه، وجهه، وفمه الممزق والملطخ بالدم.” عندما أخذها المحقق إلى زوجها، قال لها: “هذا زوجك! إذا أردتِ أن يبقى حيًا، تكلمي وأعطينا عنوان منزل تجريش!”
زوجها البطل لم يعطِ النظام أي معلومات، وكل ما استطاع فعله هو فتح عينيه وإيصال نظرة من وجهه الملطخ بالدم إلى أفسانة، تؤكد لها أنه صلب وأن العدو لم يتمكن من الحصول على أي معلومات منه. ردت أفسانة على المحقق قائلة: “ليس لدي عنوان لأعطيه!” فضربها المحقق بصفعة قوية على وجهها وقال: “يا منافقة عديمة الإحساس!”
في مرة أخرى، أخذوا أفسنة للتحقيق، وعندما عادت، ما إن أغلق باب الزنزانة حتى جلست وأسندت رأسها إلى الحائط، وقالت بألم وحزن يعتصر الروح: “لقد وضعوا فاطمة، طفلتي ذات الستة أشهر، في ممر أمامي. كانت ستة أيام لم تتناول الحليب ومحرومة مني.”
قالت أفسانة إن فاطمة لم يعد لديها قوة حتى للبكاء، كانت تصدر أنينًا ضعيفًا ثم تسكت. “وضعوها أمام عيني عمدًا ليكسروا إرادتي ويجبروني على بيع مبادئي بحجة عاطفتي الأمومية، لكنني لن أفعل ذلك، ولن أخون حتى لو كان الثمن حياة ابنتي.” عند هذه النقطة، لم تعد جفونها قادرة على كبح سيل دموعها. كانت الدموع تنهمر بلا توقف على خديها الشاحبين.
أُعدمت أفسانة البطلة بالرصاص بعد عشرين يومًا من اعتقالها، دون أن تفشي كلمة واحدة للعدو. لم يعرف الجلادون حتى إعدامها أنها كانت إحدى المسؤولات وقيادات منظمة مجاهدي خل القيمة، وإلا لما أعدموها بهذه السرعة.