من كتاب بقلم هنغامة حاج حسن – الجزء الثالث والعشرون
في هذا الجزء من مذكّرات السجن التي دوّنتها هنغامة حاج حسن في كتابها «وجهًا لوجه مع الوحش»، تروي الكاتبة التعذيب الوحشي واللاإنساني الذي جرى في ما يُسمّى بـ «الوحدة السكنية» ضدّ صديقتها المقرّبة شكر محمدزاده.
كانت شكر قد فقدت توازنها النفسي تمامًا هناك، ولكن بعد أن رأت أعزّ صديقاتها هنغامة، أخذت حالتها تتحسّن تدريجيًا، وبدأت تروي لها ما عاشته داخل تلك الجحيم.
«جعلتِني لعبةً بين أيدي الأطفال…»
خلال تلك الفترة، زار الملا أنصاري العنبر الثامن عدّة مرات، يحاول تبييض جرائم الماضي. قال يومًا: «هناك صورة سيئة في أذهان الناس عن العنبر الثامن، مع أنّه عنبرعادي كغيره، ونريد أن نعلن عاديّته لتمحى تلك الصورة.»
ثم فتحوا بابًا بين هذا القسم وساحة التهوية في العنبر السابع.
كأنّ تلك الزنازين المغلقة والجرائم التي ارتكبها الحاج داوود وحرسه يمكن أن تُمحى بهذه التجميلات السخيفة!
في تلك الأثناء، اختفى الحاج داوود ومعاونوه، وجاء جلّادون جدد، كما نُقلت مسؤولية لاجوردي إلى موقع آخر.
وفي هذه الفترة القصيرة والعابرة، تمكّن عدد من السجينات من نيل الحرية، وكان القليل اللواتي خرجن أحياء من السجن من بين أولئك في تلك المدة بالذات.
بدأت شكر تتحسّن تدريجيًا وتعود إلى حالتها الطبيعية، لكنّ الحزن العميق بقي يسكنها. كانت حين تتحدّث عن «الوحدة السكنية» تقول: «القفص الذي كنتم فيه، كان بالنسبة إلينا فترة الراحة! أن نجلس مواجهي الجدار، نعدّ الأيام والليالي بلا نهاية.» كانت تتحدث بغضبٍ هستيري عن الخونة الذين تسبّبوا في سحق فاطمة، وتقول: «لو لم يخونوا، لما انكسرت فاطمة، فهي لم تكن قابلة للكسر!»
يبدو أنّ الجلّادين اغتصبوا فاطمة أمام أعين الأخريات. لم أفهم إن كانت شكر تعني هذا بالفعل أو كانت تشير إلى خيانة أولئك الخونة.
وحين تصل إلى هذا الموضع من حديثها، كانت ترتجف وتفقد توازنها ولا تقدر على المتابعة. قالت: «كان الحرس يعيشون معنا في المكان نفسه؛ هل تتخيلين ماذا يعني أن تعيشي مع هؤلاء الوحوش؟»
وأضافت: «كنّا في جوهردشت. في أحد الأيام فصلوا أربعين منّا وقالوا إنهم سيجرون “تجربة علمية” وإننا فئران تجارب. كنا نعلم أنّ وراء ذلك عذابًا جديدًا، لكننا لم نعرف ماهيته.
تركوا لنا أعيننا معصوبة، وأبقونا واقفين بلا طعام ولا ماء أيّامًا. أنا استطعت أن أعدّ ستة أيام وأنا واقفة، ثم لم أدرِ ماذا حدث. كنا نغيب عن الوعي من طول الوقوف، فينهالون علينا بالضرب حتى نصحو، ثم يقيموننا مجددًا. أحيانًا لا يصحو أحد رغم الضرب، فيتركونه حتى يستعيد وعيه… ثم يعود كل شيء من جديد!»
وتتابع: «لم نكن نعرف ما الذي يريدون فعله بنا، حتى أخذونا إلى ما يسمّونه بالوحدة السكنية. وهناك بدأت حفلات التعذيب. كانوا يسألوننا: “هل أنتنّ بشر أم حمير أو كلب؟” ويجبروننا أن نردّد: “أنا حمار!” ثم يقولون: “بما أنك حمار، ابدأ بالنعير!” وبعدها يأمروننا أن نحملهم على ظهورنا كدواب. ثم يقولون: “اكتبي ألف مرة: أنا حمار! والآن اكتبيها ألفين!” وهكذا بلا نهاية…» وعند هذا الحدّ، كانت الدموع تنهمر من عيني شكر كمن فقد إنسانيته.
تذكّرت حينها ”ركسانا“ في الحجز، كانت تمشي كالآلية وتكرّر: «أنا كلب! أنا كلب!» وتبكي. وكنتُ لا أفهم منشأ هذه العبارة حتى سمعت شكر تروي عن الوحدة السكنية.
في بعض المرات حين كانت شكر تواصل الحديث عن تلك الوحدة، لم أكن أستطيع الاستماع أكثر، كان توازني النفسي ينهار.
صرخت في داخلي: «إلهي، ماذا يفعلون بالبشر؟ من يصدق هذا؟ أين أنت يا رب؟ أين أنت؟»
في تلك اللحظات كنت أشعر أنّ الإنسان لا يجد قوته إلا في الله وحده؛ فلو لم يكن صبره، لانفجر قلب وعقل كل إنسان من هول ما يُرى.
كانت شكر أحيانًا، في حال شرودها، تهمس ببيت شعرٍ تكرّره دائمًا، رغم أنّها لم تكن من عشّاق الشعر:
«كنتُ سيدةً وقورة على السجادة، فحوّلْتَني لعبةً بين أيدي الأطفال!»
كانت شكر في حياتها العادية رزينةً وجادةً ومحتشمة، أنيقةً ومهذّبةً دائمًا. لم أرها يومًا تتساهل في أيّ تصرف مبتذل، حتى في لباسها وطعامها وسلوكها.
لكن هؤلاء آكلي لحوم البشر الخمينيين — أعداء الإنسان — دمّروا فيها تلك الشخصية الكريمة وجعلوها أداة، كما فعلوا بغيرها من السجينات.
مضت أسبوعان وأنا مع شكر، كانت قد تغيّرت تمامًا، واستعادت توازنها، بل بدت كالمجاهدة الصلبة التي عرفتها، مليئة بالحيوية والعزم.
كنا نفكّر في خطةٍ لتبديل أماكننا أثناء الزيارة القادمة، لأننا كنا قد اتفقنا مع أهلنا في اللقاء السابق أن يأتوا في وقت واحد، كي أستطيع أنا أن ألتقي بوالديها وهي بوالديّ.
قلت لها: «شكر، تهيّئي، فوالدي سيناديك أمام الجميع بالأسماء الطريفة التي يطلقها عليك!»
كانت تضحك وتقول: «اشتقت كثيرًا إلى أمّك، كم أودّ أن أراها!»
كانت صداقتنا العميقة قد جعلت عائلتينا كأنهما عائلة واحدة، ففي كل زيارة كانت أمّي تبدأ بالسؤال عن شكر، وأمّها تبدأ بالسؤال عني.
يتبع…




















