يتم تحقيق محكمة سويدية جريمة ضد الإنسانية عن طريق محاكمة الجلاد ”حميد نوري“ أحد مرتكبي مجزرة عام 1988. وهذه هي المرة الأولى التي يمثل فيها شخص أمام العدالة بسبب هذه الحقبة المصيرية من تاريخ إيران.
إن مجزرة 30,000 سجين سياسي في إيران عام 1988 جريمةٌ مرت دون عقاب حتى الآن. والجدير بالذكر أن العديد من ضحايا هذه المجزرة المروِّعة كانوا من الشابات، ومعظمهن من أنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي تمثل المعارضة الرئيسية للملالي الحاكمين في إيران.
وبدأ اليوم الأول لمحاكمة حميد نوري، أحد مرتكبي مجزرة عام 1988، في 10 أغسطس 2021 في مدينة استوكهولم بالسويد. ويُحاكم المذكور بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم قتل في عقد الثمانينات. والجدير بالذكر أن هذه المحاكمة بدأت بعد أيام قليلة من تولي إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد لجمهورية الملالي مقاليد الحكم في البلاد، وهو أحد الأعضاء الرئيسيين في «لجنة الموت» في مجزرة 30,000 سجين سياسي في عام 1988.
وكان حميد نوري أحد أفراد الفرقة التي كانت تختار السجناء في ممرات الموت في سجن كوهردشت. وكان هو مَن يُقرر أي سجين يجب أن يمثل أمام أعضاء “لجنة الموت”، وكان يضع السجناء في طابور الإعدام وينظم عمليات الإعدام.

من هو حميد نوري؟
وُلد حميد نوري في 29 أبريل 1961، وهو مشهور لدى السجناء السياسيين باسم حميد عباسي. وكان عضوًا في قوات حرس نظام الملالي، وتم تعيينه في السلطة القضائية، ومارس نشاطه كمسؤول في السجن.
وكان حميد نوري يمارس نشاطه كنائب مدعي العام في سجني إيفين وكوهردشت. وعمل لفترة طويلة تحت إشراف محمد مقيسه الذي كان مدعيًا عامًا في السجن وأحد المتورطين في تنفيذ حالات الإعدام أثناء مجزرة السجناء السياسيين في عام 1988.
وكان حميد نوري عضوًا نشطًا وزميلًا في العمل في “لجنة الموت” في سجن كوهردشت أثناء مجزرة صيف عام 1988.
وتم القبض على حميد نوري في 9 نوفمبر 2019 في مطار استوكهولم. ويقول المدَّعون في هذه القضية ومحاموهم إن حميد نوري معروف بأنه كان نائب المدعي العام في سجن كوهردشت، وأحد أعضاء “لجنة الموت” الـ 8 في هذا السجن أثناء ارتكاب جريمة الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين. ولهذا السبب تم القبض عليه بموجب الاتهامات المتعددة التي وجهتها إليه المحكمة السويدية، من قبيل ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وتعذيب السجناء والتورط في الجريمة المستمرة وعدم إعادة الجثث.
والجدير بالذكر أنه تم نقل حميد نوري، أحد مرتكبي مجزرة عام 1988 مكبل اليدين والقدمين بالكلبشات كل يوم خلال جلسات المحاكمة الـ 3 اعتبارًا من 10 أغسطس 2021، وتم وضعه بجانب محاميه. وفي اليوم الثاني من المحاكمة، تلا المدعي العام فتوى خميني المكونة من 231 كلمة، والتي على أساسها أمر خميني بالإبادة الجماعية لجميع السجناء الأعضاء في مجاهدي خلق المتمسكين بمواقفهم. وقال المدعي العام مشيرًا إلى المواد المتعدد التي تنص عليها اتفاقية جنيف الـ 4، ومن بينها المادتين 3 و 57 من هذه الاتفاقية إن إعدام السجناء الأعضاء في مجاهدي خلق بموجب هذه الفتوى يُعد انتهاكًا خطيرًا لاتفاقية جنيف الـ 4.
وفيما يتعلق بتهمة القتل، قال المدَّعون العامون السويديون إن حميد نوري متهم أيضًا بقتل السجناء الذين تعاطفوا مع مختلف الجماعات المؤمنة بالماركسية وتم اعتبارهم مرتدين. (صحيفة واشنطن بوست – 11 أغسطس 2021).
التركيز على ”رئيسي“ بوصفه أحد المتورطين الرئيسيين في مجزرة عام 1988
أفادت وكالة “رويترز” للأنباء، في تقريرها الصادر في 10 أغسطس 2021 أن: “هذه المحاكمة ستركز على الأرجح عن غير قصد على إبراهيم رئيسي، رئيس جمهورية إيران المتشدد الذي أدى اليمين الدستورية رسميًا الأسبوع الماضي، ويخضع للعقوبات الأمريكية بسبب ماضيه المشؤوم، حيث تقول أمريكا والنشطاء أنه تم فرض العقوبات عليه بسبب تورطه في مجزرة عام 1988 بوصفه أحد القضاة المشرفين على هذه المجزرة”.
وشارك إبراهيم رئيسي في “لجنة الموت” كمدعٍ عامٍ في عام 1988، وبعد أمر خميني الـ 231 كلمة بإعدام جميع السجناء السياسيين المتمسكين بمواقفهم، تم تنفيذ جميع أوامره بحذافيرها في ممرات الموت.
شهادة أحد السجناء على حميد نوري
قال أصغر مهديزاده، أحد شهود العيان على مجزرة عام 1988، فيما يتعلق بدور حميد نوري في هذه المجزرة: كنت جالسًا في ممر الموت في 4 أغسطس 1988، وآنذاك استدعاني أحد الحراس، ودخلنا قاعة الإعدام الكبيرة، وهي قاعة الموت، ورفع الحارس عصابة العينين من على عيني. ونظر إليَّ بابتسامة ساخرة. وفجأة رأيت 12 شخصًا يقفون على كرسي وحبل المشنقة ملفوف حول أعناقهم. كما سقط عدد من جثث أعضاء مجاهدي خلق أمامهم. فإسودَّت الدنيا في وجهي وقلت: يا إلهي ماذا يجري هنا؟ وفجأة ردد الشباب هتافات «الموت لخميني» و«التحية لرجوي» و«عاشت الحرية».
حينئذ كان الحراس مندهشين، وتحدث ناصريان إلى داود لشكري وحميد عباسي (حميد نوري). وصاح الحراس: لماذا أنتم واقفون؟. ثم توجهوا نحو الشباب وبدأوا في ركل الكراسي وإلقاء الشباب على الأرض. وعندما وصلوا إلى الشاب الرابع والخامس صعَّد الشباب من هتافهم بأعلى صوتهم وقالوا «التحية لمجاهدي خلق» و «الله أكبر» وألقوا بأنفسهم وقفزوا فجأة بصورة جنونية. وعندئذ فقدت توازني ولم أفهم ما حدث. (قناة “الحدث” ، 10 أغسطس 2021).

مظاهرات الإيرانيين المناصرين لمجاهدي خلق وأسر شهداء مجزرة 1988
قام حشد كبير من أنصار مجاهدي خلق بإبداء رد فعلهم وإقامة معرض لصور شهداء مجزرة صيف عام 1988 ووقفات احتجاجية أمام مبنى المحكمة على مدى 3 أيام؛ خلال الفترة الزمنية الممتدة من صباح يوم الثلاثاء 10حتى يوم 12 أغسطس 2021 تزامنًا مع محاكمة حميد نوري. وكان من بين هؤلاء المواطنين عدد من عائلات شهداء المجزرة. وتحدثت أمهات وزوجات وأخوات وأبناء شهداء مجزرة عام 1988 في هذه التجمعات حاملين صور شهدائهم. وبدأوا في كشف النقاب عن فضائح جرائم نظام الملالي التي ارتكبها آنذاك، وأصروا على مناشدتهم للمجتمع الدولي، وخاصة منظمة الأمم المتحدة، لوضع حد لحصانة مسؤولي النظام الإيراني، وضرورة تشكيل محكمة دولية لمحاكمة خامنئي ورئيسي وغيرهم من الآمرين بارتكاب مجزرة عام 1988 ومنفذيها.
ومما يدعو إلى الأسف ويشير إلى مدى تمادي نظام الملالي الفاشي في جبروته يُذكر أن سيما ميرزائي، شقيقة 7 شهداء أبطال من عائلة ميرزائي، حيث قُتل شقيقيها حسين ومصطفى وشقيقتيها خديجة ومعصومة وزوجة شقيقها، مهناز يوسفي لويه، أثناء مجزرة عام 1988. وتحدثت سيما ميرزائي في هذه المظاهرة ، وهي واحدة من النساء الثكلى اللاتي فقدن أحبائهن في عام 1988.

وتحدثت الأم ا”همدم“ والدة المجاهد الشهيد ساسان سعيدبور، التي استشهد نجلها في 29 أكتوبر 1981 في هذه المظاهرة. والجدير بالذكر أن هذه الأم لم تستلم جثة نجلها على الإطلاق. وقالت الأم ”همدم“ في حديثها إنه عندما تم القبض على نجلها كتب نظام الملالي في الأخبار أنه قتل أثناء الاشتباكات. بيد أنه اتضح بعد 3 أشهر أنه استشهد تحت التعذيب. وليس لدى هذه الأم أي شيء من نجلها، ولا حتى سطر واحد من وصية ساسان.
وأشار الدكتور خسرو شهرياري، الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي في كلمته إلى دور أسر ضحايا مجزرة 1988 وقال: ” إن هذه الأيام هي أيام الأمهات والأخوات والآباء والزوجات الذين فقدوا أحبائهم، وتسلموا حقائب ملابسهم بدلًا من استقبال أحبائهم ولم يعلموا حتى الآن مكان دفن أحبائهم.