زواج القاصرات: عنف صارخ ضد الفتيات الصغيرات وتسهيل نظام الملالي لتعرض النساء للانتهاكات
يُعتبر زواج القاصرات أمرًا مرفوضًا من قِبل أي إنسان معاصر. ومع ذلك، غالبًا ما يتم النظر إليه من منظور ثقافي دون مراعاة آثاره العميقة على مصير البشرية. يُعد زواج القاصرات أحد أبرز الأمثلة على العنف ضد النساء والفتيات.
وفقًا للخبراء ووسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومة، بما في ذلك صحيفة “دنيا الاقتصاد” (13 أغسطس 2024)، فإن زواج القاصرات في إيران مدفوع بعوامل تتجاوز الأعراف الثقافية. ومن أبرز الأسباب: “انخفاض دخل الفرد، التضخم المرتفع، وعدم المساواة في الدخل.” ومع ذلك، نادرًا ما يتم الاعتراف بدور الحكومة الدينية ذات القوانين المعادية للمرأة في وسائل الإعلام الحكومية.
في إيران، يُعتبر زواج الفتيات القاصرات أمرًا قانونيًا. وفقًا للمادة 1040 من القانون المدني التابع للملالي الحاكميين في إيران، يمكن للأب أو الجد من جهة الأب أو حتى القاضي أن يقرر مصير الفتاة الصغيرة دون مواجهة أي عوائق قانونية. وغالبًا ما تُباع الفتيات في مثل هذه الزيجات.
الطفلة التي تُجبر على الزواج بسبب الفقر تفقد دعمها الوحيد الأسرة وتُحرم من عاطفتهم وحمايتهم. بموجب قوانين نظام الملالي ، يتعين عليها الخضوع لشخص يستغل فقر عائلتها لتحقيق مكاسب شخصية، دون أي التزام قانوني باحترام كرامتها الإنسانية. عاجلاً أم آجلاً، ستواجه العنف على يد شريكها، الذي لا يواجه أي مساءلة بسبب غياب الحماية القانونية. في الواقع، العنف ضد النساء ليس مُجرَّمًا في إيران.
وإذا استمرت في تحمّل هذا الوضع، فإنها تواجه حياة مليئة بالمعاناة، بما في ذلك أضرار اجتماعية متعددة غالبًا ما تؤدي إلى الإدمان أو الانتحار. وإذا لم تستطع التحمل، يجب عليها الوقوف وحدها ضد قوى التمييز ضد النساء، والتي، للأسف، تؤدي غالبًا إلى الفشل.
بينما يُعد نظام الملالي في إيران أكبر منفذ لحكم الإعدام بحق النساء في العالم، فإن نظرة فاحصة إلى مصير هؤلاء النساء تكشف أن معظمهن كنّ ضحايا لزواج القاصرات في البداية، ومن ثم واجهن عنفًا منزليًا. وفي النهاية، يجدن أنفسهن في قبضة “العدالة” الذكورية للنظام، مما يؤدي بهن إلى السجن أو حبل المشنقة.
انتشار زواج القاصرات – حظر نشر الإحصائيات
نظرًا لأن الزواج في ظل نظام الملالي يُعتبر مسألة دينية أكثر منه قانونية، فإن تسجيل الزيجات لا يُعد التزامًا قانونيًا. وهذا يعني أنه بالإضافة إلى انعدام الشفافية، غالبًا ما يتم التلاعب بجميع الإحصائيات الحكومية. وبالتالي، يجب التعامل مع إحصائيات الزواج بحذر واعتبارها الحد الأدنى فقط.
حتى قبل عامين، كان المركز الوطني للإحصا يتضمن أعمار المتزوجين في إحصائيات الزواج والطلاق، مما سمح أحيانًا بوصول أخبار “الزيجات المسجلة” للفتيات الصغيرات إلى وسائل الإعلام.
وفقًا للإحصائيات الحكومية، تم إجبار أكثر من 131,000 فتاة دون سن الخامسة عشرة على الزواج بين عامي 2016 و2021 (موقع بهار نيوز، 30 مارس 2022).
في عام 2021 وحده، تم تزويج أكثر من 32,000 فتاة دون الخامسة عشرة في إيران (صحيفة ”مردم سالاري“ الحكومية-، 29 ديسمبر 2022). وفي نفس العام، وُلد 1,474 طفلًا لأمهات تتراوح أعمارهن بين 10 و14 عامًا، وبلغ إجمالي عدد المواليد لأمهات دون سن 19 عامًا 69,103 مواليد ( موقع ”فرداي كرمان“ الحكومي، ، نقلاً عن وكالة ”إيسنا،“ للانباء- 13 أبريل 2022).
في عام 2022، تم إجبار 26,974 فتاة دون الخامسة عشرة على الزواج، وأصبحت 1,390 منهن أمهات. بالإضافة إلى ذلك، تزوجت 32,980 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا خلال نفس العام. ووفقًا لنفس التقرير، توقف المركز الوطني للإحصاء عن نشر أعمار المتزوجين في إحصائيات الزواج والطلاق اعتبارًا من ربيع عام 2023 (موقع ركنا، 22 أكتوبر 2024).
في الفترة التي تلت هلاك إبراهيم رئيسي السفاح واستقرار”مسعود بزشكيان“ الكامل، تم تخفيف هذا القانون بشكل طفيف، وسُربت أخبار عن زواج 300 فتاة دون الخامسة عشرة برجال أكبر منهن بعشرين إلى سبعة وأربعين عامًا إلى وسائل الإعلام (إيسنا، 10 مايو 2024).

زواج القاصرات: مأساة مستمرة وتفاقم للأوضاع الإنسانية
في 8 سبتمبر 2024، أعلنت صحيفة “اعتماد” الحكومية أن نشر الإحصائيات حول زواج القاصرات في إيران قد توقف.
وفي الوقت نفسه، تستمر هذه الكارثة بنفس الحدة المعتادة. مع انتشار الفقر والضغوط الاقتصادية والنفسية بين الشعب الإيراني، تزداد أخبار جرائم قتل النساء، والعديد منهن كن ضحايا لزواج القاصرات.
زواج القاصرات: سبب رئيسي لانتشار التسرب المدرسي بين الفتيات
من أبرز نتائج زواج القاصرات حرمان الفتيات الصغيرات من التعليم، مما يؤدي إلى تراجع المستوى المهني للمجتمع الإيراني.
30% من الفتيات الإيرانيات يتوقفن عن التعليم عند المرحلة الثانوية. ويمثل هذا النسبة تسرب حوالي 621,000 فتاة من المدارس الثانوية في عام 2023 وحده (إسنا، 10 مايو 2024). تراجع تعليم الفتيات يزيد من حدة دورة الفقر والحرمان والكوارث الاجتماعية المتنوعة.
زواج القاصرات وخطة النمو السكاني
لسنوات، أصر نظام الملالي، بتوجيه مباشر من علي خامنئي، على زيادة الإنجاب والنمو السكاني بأي ثمن. وقد تم تنفيذ هذه السياسة في قانون أقره البرلمان الحادي عشر في 16 أكتوبر 2021، وبعد شهر، أولت حكومة إبراهيم رئيسي أولوية قصوى لتطبيقه.
بموجب برنامج الحكومة، تم حظر توزيع وبيع جميع وسائل منع الحمل. كما تم إيقاف التوزيع المجاني أو المدعوم لوسائل منع الحمل في العيادات الصحية الريفية ومراكز الجامعات الطبية، وتم تجريم أي توصية باستخدام وسائل منع الحمل، مما يجعلها عرضة للعقوبات القانونية.
أدى هذا القانون إلى جعل ضمان ولادة أطفال أصحاء مستحيلاً لمعظم الإيرانيين الفقراء. فقد اضطرت العائلات، بسبب التكاليف المرتفعة، والأطباء، خوفًا من العواقب القانونية، إلى التخلي عن ضمان صحة الأم.

دعاية النظام وتأثيرها على الفئات الفقيرة
في غضون ذلك، غمرت وسائل الإعلام الحكومية المجتمع بدعاية مكثفة عن الحوافز المالية والمصرفية لإنجاب المزيد من الأطفال، مما زاد من الضغط على العائلات الفقيرة التي أصبحت تراهن بمستقبل بناتها الصغيرات عديمات الحيلة.
في 23 يوليو 2024، نشر موقع “فرارو” الحكومي تقريرًا من منطقة ”قلعة كنج“، وهي واحدة من أكثر المناطق فقرًا في جنوب شرق محافظة كرمان. ووفقًا للتقرير، تمت إزالة جميع مستلزمات منع الحمل من المركز الصحي المحلي، وتم توجيه العاملين الصحيين بعدم التحدث عن تنظيم الأسرة أو تقديم نصائح بشأن الفترات بين الولادات.
عواقب مدمرة للنساء والفتيات
تسببت هذه القوانين، وخاصة في المناطق الفقيرة التي تفتقر إلى الرعاية الصحية والتغذية المناسبة، في زيادة معاناة النساء وتعميق الفقر والبؤس. تزداد حدة هذه الكارثة عندما يؤخذ في الاعتبار انتشار زواج القاصرات. ملايين الفتيات الصغيرات، دون أي موارد أساسية، يتعرضن لحمل متكرر في ظل هذه الظروف القمعية.
في العديد من القرى النائية في إيران، تغيب العيادات الصحية تمامًا. غالبًا ما تحدث الولادات في بيئات منزلية غير صحية وبدائية. الفقر والتمييز المنهجي يخلقان تحديات لا حصر لها، بما في ذلك سوء التغذية للنساء. الزواج المبكر، الحمل المبكر، وغياب الفترات بين الولادات يتركون العديد من النساء يعانين من نقص حاد في الحديد والكالسيوم.
تقليديًا، يتم توزيع الطعام داخل الأسر لصالح الأطفال والرجال الذين يعيلون الأسرة، بينما تعيش النساء على بقايا الطعام أو الأجزاء الأقل تغذية. في المناطق الريفية، تعمل النساء في بيئات غير صحية تقريبًا حتى موعد ولادتهن. ونتيجة لذلك، تنتشر بين النساء في المناطق الريفية والمحرومة حالات مثل الالتهابات المهبلية، وآلام الظهر المزمنة، وهبوط الرحم.
الفتيات الإيرانيات سيبتسمن من جديد
سيستمر توثيق الألم الناتج عن الطبيعة المعادية للمرأة وغير الإنسانية لنظام الملالي حتى اليوم الذي يُسقط فيه هذا النظام. ومع ذلك، فإن الشعب الإيراني يدرك جيدًا أن مفتاح أيام أكثر إشراقًا، والانضمام إلى العالم الحديث، وتحقيق الحد الأدنى من حياة كريمة يكمن فقط في إسقاط هذا النظام الوسيط مهمة لا شك أنها ستتحقق بأيديهم.
يبقى السؤال: إلى أي مدى ستدعم الضمائر المستيقظة في العالم النساء الإيرانيات برفض نظام الملالي والاعتراف بشرعية نضال الشعب الإيراني؟ عندما يحين ذلك اليوم، ستعود الابتسامة إلى وجوه الفتيات الإيرانيات من جديد.




















