دخول العنبر: عطية محرر خوانساري، مناضلة من الطبقة المترفة

دخول العنبر: عطية محرر خوانساري، مناضلة من الطبقة المترفة

مذكرات سجن مهري حاجي نجاد من كتاب “الضحكة الأخيرة لليلى” – الجزء الثالث

في الجزء الثاني من مذكرات سجن مهري حاجي نجاد، التي تم تدوينها في كتاب “الضحكة الأخيرة لليلى”، وصفت الكاتبة ذاكرة أول استجواب لها في سجن إيفين. في هذا العدد، نتابع بقية مذكرات مهري، التي كانت آنذاك طالبة في سن المراهقة، من لحظة دخولها عنبر السجن ونتعرف على إحدى رفيقاتها الصامدات:

عنبر مستوصف سجن إيفين

هذا العنبر، الذي أصبح فيما بعد المستوصف، كان يضم بضع غرف صغيرة جداً، كانت قبل 20 يونيو 1981 مخصصة لاحتجاز السجينات المتهمات بجرائم عادية. كما تم إحضار المتهمين في قضية انقلاب ”نوجة“ إليه، لكنه الآن امتلأ بسجناء منظمة  مجاهدي خلق الإيرانية. كان العنبر مزدحماً لدرجة أنه كان من الصعب العثور على أي شخص بسهولة.

في الساعة 11 مساءً من يوم 14 أغسطس 1981، دخلت عنبر المستوصف (240 سابقاً). بمجرد دخولي، استقبلتني عند الباب أخت من  المنظمة  تدعى زهراء، وساعدتني لأجلس في زاوية وأعطتني بعض الماء.

بعد ذلك سألتني عن اسمي؟ فقلت “محبوبة”، ولم تواصل الأسئلة. بعد أن أعطتني كوب ماء، قمت لأتجول في العنبر، لأرى ما يحدث. لم أرَ سوى وجه واحد مألوف، هي رفيقتي في النضال عطية محرر خوانساري[1] كنت أعرف بعض الأفراد بالشكل لكن لم أكن أعرف أسماءهم.

بقينا في هذا العنبر من تلك الليلة حتى شهر نوفمبر. وكما علمت لاحقاً، كان أحد جانبي هذا العنبر هو عنبر 216 والجانب الآخر هو عنبر 209. في اليوم الأول من سبتمبر، في أوائل الليل، سمعت فجأة صوت ارتطام قوي لقضبان حديدية تفرغ من شاحنة. السجينات في العنبر، اللواتي كن على دراية بهذا الصوت، قلن على الفور: هذا صوت إطلاق النار. عندما أصغيت جيداً، ميزت صوت الطلقات المفردة. ومنذ ذلك اليوم فصاعداً، كنا نصعد على أكتاف بعضنا البعض كل ليلة وننظر من نافذة صغيرة جداً فوق الجدار لنرى كم عدد الأفراد الذين يتم اقتيادهم إلى مكان الإعدام؟ كنا نسمع هذا الصوت كل ليلة دون استثناء؛ أحياناً الساعة 12 ليلاً، وأحياناً متأخراً، وأحياناً قرب الفجر، وأحياناً كنا نسمع الصوت المشؤوم لموت الرفاق في بداية حلول الظلام.

في ذكرى رفيقة دربي القديمة

عندما وقعت عيني فجأة على ”عطية“ بعد دخولي العنبر، لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي. كنت أعرف ”عطية محرر خوانساري“ منذ عام 1979، وكنت أحبها كثيراً. كانت عطية من عائلة ميسورة الحال وتعيش في شمال طهران. كانت لطيفة ووقورة ومحبوبة للغاية. عندما رأيتها في العنبر، حاولت في البداية ألا أبدي أي رد فعل لأرى ما هو وضعها وسيناريوها؟ لكنني رأيت الجميع ينادونها باسمها الحقيقي عطية. لقد تفاجأت لأن لا أحد في السجن في ذلك الوقت كان يُنادى باسمه الحقيقي. بطريقة ما، سألتها في زاوية العنبر: “عطية، ما الذي حدث؟ هل تم كشفكِ؟” قالت: “والدي سلمني أنا وأختي الصغيرة نفيسة وخالتي نسرين وخالي عماد إلى مكتب المدعي العام بنفسه”. كان والد عطية من أنصار حزب الله ورژیم قد خدعه بأنه إذا سلم أبناءه بنفسه فلن يُعدموا.

منذ ذلك اليوم، أصبحت عطية رفيقتي الرئيسية في الحديث. كُنْتُ أُنْشِدُ النَّشِيدَ مَعَها في السِّجْنِ وأتحدث عن ذكرياتنا. كانت الوحيدة التي تعرفني، بينما كنت أنا هناك باسم مستعار، وكان السجينات الآخريات يعتقدن أنني اعتُقلت عن طريق الخطأ، لأنه لم يكن هناك أحد من قسم الطلاب في هذا العنبر.

في الأيام الأخيرة من سبتمبر 1981، كنا أنا وعطية قد خلدنا للنوم وبدأنا نتحدث همساً عندما سمعنا صوت جرس العنبر في منتصف الليل (الساعة 12 ليلاً). كان قلبي يرتجف دائماً من هذا الصوت، فصوت هذا الجرس في هذا الوقت من الليل كان يذكرني فقط باقتياد أعزاء آخرين من بيننا. كان العنبر مظلماً تماماً. قفزنا كلتانا وجلسنا لنرى من سيأتي إلى الداخل.

فجأة دخلت السجّانة التي كان اسمها ”نوربخش“ وقالت: “عطية تأتي!” تمزق قلبي، لم أكن أظن أنني لن أراها مرة أخرى، كنت أظن بسذاجة أنها ربما لن تُعدم لأن والدها سلمها. ضغطت على يدها وقلت: “إلى اللقاء قريباً…”.

لم يغمض لي جفن تلك الليلة حتى الصباح، وكنت أصغي طوال الوقت لمعرفة متى سيأتون بعطية؟ كنت أفكر في نفسي أنها ربما تتعرض للضرب بالكابل هذه الليلة، بقيت مستيقظة حتى عندما تعود أسرع لتدليك قدميها وأعطيها ماء السكر. كان هذا هو أقصى ما خطر ببالي بشأن عطية.

لكن الصباح حل ولم يصل أي خبر عن عطية. كنت قلقة جداً. حوالي الساعة السادسة صباحاً، عادت إحدى السجينات الأخريات من الاستجواب. ذهبت إليها على الفور وسألتها: “ماذا حدث لعطية؟” قالت: “كنت شاهدة على أنهم قالوا لها إن لديها مهلة حتى الساعة الرابعة صباحاً لتفكر، إما أن تجري مقابلة وتدين المنظمة أو يتم إعدامها”.

بعد سماع هذا الكلام، أيقنت أن عطية لن تعود، وندمت على أنني لم أودعها جيداً، ولم أعانقها وأقبلها للمرة الأخيرة. مع كل هذا، بقيت في انتظارها طوال اليوم. أحياناً كنت أقول ربما كانوا يريدون فقط تهديدها وستعود، ولكن في الساعة السادسة مساءً، قرأت أخبار إذاعة النظام اسمها مع العشرات من المعدومين الآخرين. عطية عزيزتي قد حلقت كطائر خفيف ومعصوم.

كم كان والدها قاسياً وعديم الإحساس لتسليمه عطية البريئة بيد الجلادين بنفسه. علمت لاحقاً أن والدة عطية انفصلت عن والدها بسبب هذه القسوة التي ارتكبها. ولكن هل بعد إعدام عطية، تغلغلت هذه الحقيقة في العقل السقيم لهذا “اللا-أب” عما فعله خميني به وبعائلته؟

منذ ذلك اليوم، كان فراغ عطية يسكب حزناً مراً في قلبي دائماً. بعد شهرين، تم نقلي من هناك إلى عنبر 240 العلوي. لم يكن أمري قد انكشف حتى مارس 1982، وكان جميع الأفراد في هذا العنبر أيضاً ثابتين على موقفهم.


1. عطية محرر خوانساري، من مواليد عام 1963 في أصفهان، كان عمرها 18 عاماً عند استشهادها. في اللحظات الأخيرة، قالت للجلاد الملا كيلاني: “أنا لم أحاكَم بعد، لا أصدق أنك ستعدمونني”. فقال كيلاني: “ستصدقين بعد ساعتين”.

Exit mobile version