المرأة الريفية في إيران في ثلاث كلمات: المعاناة والحرمان وحياة العبودية
أُطلق على 15 أكتوبر، اليوم العالمي للمرأة الريفية. وتتجسد الرسالة الرئيسية لهذا اليوم في دعم المرأة الريفية من أجل الحصول المستدام على الموارد الغذائية ومكافحة الفقر.
والقضية التي توليها منظمة الأمم المتحدة اهتمامًا هذا العام في هذا اليوم هي تشجيع المرأة الريفية على المقاومة في ظل ظروف تفشي فيروس كوفيد -19، وهو غالبًا ما يذِّكر الإيرانيين بذروة معاناة المرأة الريفية في إيران للبقاء فقط على قيد الحياة حتى في الظروف العادية بدون فيروس كورونا.
فالتحديات التي تواجه النساء مثل الزواج المبكر والحرمان من التعليم والعنف المنزلي وفقدان المعرفة القانونية والاجتماعية وعدم التمتع بالرعاية الصحية والافتقار إلى المياه، وقطع مسافات طويلة في الطرق الترابية بحثًا عن المياه الصالحة للشرب، فضلًا عن عشرات المشاكل الأخرى؛ أغلقت الطريق أمامهن للتنمية والإبداع على أقل تقدير.
وفي إيران، قوضت الثقافة الحكومية للمجتمع الذكوري، وثقافة المراقبة المبنية على الحكمة في القرى؛ إمكانية مشاركة المرأة في المجتمع. والمرأة الصالحة في هيكل المجتمع الريفي هي المرأة القادرة على تحمل كافة أنواع المعاناة في إطار الأسرة والعمل الدؤوب بشكل جيد، وخدمة الجميع، والمحافظة على التماسك الأسري على حساب استنزاف جسدها وروحها. والثقافة التي يفرضها نظام الحكم الحالي على أبناء الوطن، وتحديدًا القرويين، فضلًا عن الفقر وآلاف المشاكل الأخرى؛ خلقت ظروفًا لا يمكن تصورها للنساء الريفيات وبناتهن في إيران.
الفتيات الريفيات محرومات من الدراسة

والجدير بالذكر أن مستوى التعليم لدى غالبية الفتيات الريفيات، ولاسيما فتيات القبائل يتوقف بعد اجتياز الصف الخامس الابتدائي في مدارس متداعية وخطيرة للغاية أو في الخيام والأكواخ بسبب عدم توفر المدارس. ومن الأسباب الرئيسية التي تقف عائقًا في طريق تعليم الفتيات، العيش في مناطق وعرة صعبة العبور، والعيش كبدو رُحَّل، وصعوبة الحصول على المتطلبات المدرسية، والخوف من المخاطر الطبيعية مثل خطر هجوم الحيوانات البرية، والخوف من إزعاج الغرباء أثناء السير في طرق طويلة وعرة.
وبلا خجل تقول فرحناز مينائي بور، مستشارة وزير التربية والتعليم لشؤون المرأة، في هذا الصدد : “المدارس الابتدائية مفتوحة في المناطق الريفية، بيد أنه من غير الممكن تقديم الخدمة التعليمية للطلاب في القرى لأن المدارس الثانوية تحتاج إلى العديد المعلمين لتلقين الدروس. بمعنى أن وزراة التربية والتعليم لا تولي أهمية للتعليم في الريف”. (موقع “سلامت نيوز” الحكومي، 6 أكتوبر 2019).
ويتجسد الحل الذي قدمه مديرو التربية والتعليم لمشكلة تعليم الفتيات الريفيات في إلغاء مدارسهن واستبدالها بمجمعات تعليمية كبيرة في منطقة مركزية أو بمدارس داخلية. كما يُمنون على أبناء الوطن مدعين أنهم يسعون إلى جعل الخدمة التعليمية مركزية.
وبعد اعتراف هؤلاء المسؤولون بعدم اهتمامهم بتعليم الفتيات الريفيات، يتوقعون أن يقتنع أبناء الوطن بإلغاء جوهر القضية بحجة إنشاء مدرسة مركزية ويلقون باللوم على الأسرة وثقافة الشعب.
وتقول مينائي بور: ” نعاني من هذه المشكلة الثقافية في العديد من المناطق الريفية حيث لا تسمح العائلات لبناتها بالذهاب إلى قرى أخرى أو مدارس داخلية لمواصلة الدراسة، وهذا الأمر يتسبب في تسربهن من الدراسة”.

وفي هذا الصدد، تؤكد ”زهراء نهضت“، الناشطة في مجال حقوق المرأة: ” لقد تدهورت جودة التعليم في المناطق الريفية منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية حتى الآن، حيث يعجز الأطفال والمراهقون عن القراءة والكتابة وحل مسائل الرياضيات البسيطة أيضًا. وفضلًا عن نقص المعلمين في القرى، هناك مشاكل أخرى تواجه تعليم الطلاب، وخاصة الفتيات. فعلى سبيل المثال، نجد الآن أنه تم هدم الجسر الذي يربط القرية بمدينة ملا ثاني في خوزستان، وفي هذه الحالة يتعين على الفتيات الذهاب إلى المدرسة في الجهة المقابلة من النهر بقوارب قديمة. وتسرب عدد من الفتيات من الدراسة مقدمًا في الوقت الراهن خوفًا من هطول الأمطار الشتوية التي قد تغرقهن في النهر. » (موقع ” همشهري” الحكومي، 4 أكتوبر 2019).
وتقول معصومة خنفري، قائممقام كارون، إن إنشاء مراكز تعليمية مركزية لكل مجموعة من القري، وعدٌ يحتاج إلى فترة طويلة لتحقيقه. كما كشفت النقاب عن عدم وجود مدارس إعدادية في بعض المدن, وقالت: “على سبيل المثال، تواجه مدينة كوت عبد الله أو منطقة إسلام آباد في هذه المحافظة نقصًا حادًا في المناخ التعليمي، كما أن منطقة إسلام آباد المكتظة بالسكان لا يوجد بها مدرسة ثانوية للبنات. وبسبب نقص المدارس في مدينة كوت عبد الله، يضطر الطلاب في هذه المنطقة إلى التوجه إلى الأهواز، عاصمة محافظة خوزستان لمواصلة الدراسة”. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 26 سبتمبر 2019).
هذا ووجَّه تقاعس نظام الملالي أثناء جائحة كورونا ضربة أخرى لدراسة الفتيات الريفيات. واعترفت ”بريجهر سلطاني“، سكرتيرة فريق العمل المعني بالمرأة الريفية والعشائرية والمناطق المحرومة بمعاونية روحاني للمرأة والأسرة بأن طلاب العشائر تعرضوا لأكثر الأضرار خلال فترة كورونا، نظرًا لأن الطلاب في المناطق الوعرة ليس لديهم إنترنت ولا هواتف محمولة، وهلم جرا، ولا يمكنهم استخدام شبكة “شاد” للإنترنت. ولا شك في أنهم فقدوا 4 أشهر من العام الدراسي قبل تفشي وباء كورونا بسبب الترحال. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).
الزواج المبكر والإنجاب المتكرر

إن زواج القاصرات في قرى إيران أمر شائع جدًا. ففي بعض الحالات تمنع الأسر الفقيرة بناتها من مواصلة الدراسة من أجل الزواج.
والجدير بالذكر أن هذا العرف المعادي للمرأة يؤدي أيضًا في ظل غياب الإمكانيات الصحية والثقافية المناسبة إلى أن تصبح الفتيات أمهات في عمر صغير جدًا وينجبن المرة تلو الأخرى. حتى أنهن ينجبن أحيانًا 12 مرة وتستنزف أجسادهن في شبابهن. ويؤدي ذلك إلى جانب ظروف الفقر والحياة الريفية الصعبة إلى تحويل حياة المرأة الريفية في إيران من ريعان الشباب إلى الجحيم.
وفي هذا الصدد، يتستر نظام الملالي على القضية حتى يتسنى له مواصلة سياساته المناهضة للمرأة.
وترجع آخر التقارير المسجلة في النشرة السنوية لمركز الإحصاء الإيراني إلى عام 2016. ويفيد هذا التقرير أن 37430 فتاة إيرانية تزوجن في عام 2016 عندما كان عمرهن 10 سنوات فقط، من بينهن 20308 فتاة من سكان القرى.
وفي هذا الصدد، قالت المحامية ”سارا باقري“: “ليس هناك ما يعيب المسؤولين في القيام بزيارة قصيرة للمدن الصغيرة والقرى لمعرفة مدى الاستبداد الذي تعاني منه الأطفال المتزوجات في هذه المناطق، وهلم جرا. فقد أجريت بعض اللقاءات مع الأمهات اللاتي تزوجن في عمر الـ 12، وأنجبن 4 أطفال وهن ما زلن في عمر الـ 20. ويتزوج الفتيان والفتيات قبل الأوان بفترة طويلة، وتتكرر هذه الحلقة المفرغة من الأم إلى الأطفال. والجدير بالذكر أنه يتم الاتجار بهؤلاء الأطفال، ولاسيما الفتيات حيث يتم تزويجهن برجال في عمر أجدادهن مقابل المال. وكانت إحدى هؤلاء الفتيات تبلغ من العمر 13 عامًا، وقالت باكيةً أنها تود أن تدرس ولكن ليس لديها خيار سوى الزواج”. (الموقع الحكومي “اعتماد”، 30 ديسمبر 2019).

وذكرت ”معصومة آقابور عليشاهي“، عضوة مجلس شورى الملالي عن القرى الفقيرة في مركز صوفيان أن حمل الفتيات اللاتي تتراوح أعمارين بين 13-14 سنة شائع في هذه القرى. وتقول عليشاهي أنه يمكننا أن نجد أمهات في عمر الـ 20 لديهن 4 أو 5 أطفال. كما تقول أن العديد من النساء في هذه المنطقة يتوفين عن عمر يتراوح ما بين 40 إلى 45 سنة. وترجع هذه الكارثة إلى الزواج في سن مبكرة و الإنجاب المتكرر. (موقع معاونية شؤون المرأة والأسرة، 20 يوليو 2019).
المرأة الريفية في إيران حياة العبودية

غالباً ما تتحمل المرأة الإيرانية عبء الحياة في المناطق الريفية. فبالإضافة إلى تحمل العبء الرئيسي في النشاط الزراعي والاقتصاد الريفي، يحملن على عاتقهن أيضًا القيام بكافة الأعمال المتعلقة بالأسرة والمنزل.
هذا وتعيش النساء الريفيات في إيران حياة قاسية للغاية وحياة العبودية جراء القيام بالعديد من المهام بدون إعانة ومعاش، من قبيل تربية الماشية والدواجن وإعداد الحطب وجلب المياه والعناية بالخيام وأماكن المعيشة ونسج السجاد وإنتاج الحليب والزبادي وخبز الخبز، وحلب الأبقار وتنظيف المنزل والطهي وغسل ملابس أفراد الأسرة وإنجاب الأطفال، وهلم جرا.
وغالبيتهن يبدأن العمل قبل شروق الشمس، وهن آخر من يخلدن إلى النوم.
إن المواهب الوافرة التي تتحلى بها الفتيات الريفيات اللائي يتسربن من المدرسة تقتصر بالضرورة على التعليم على أيدي أمهاتهن، حيث يتعلمن مبادئ تدبير أمور الحياة الريفية. فهن مجبورات من سن دون العاشرة على القيام بأعمال من قبيل رعاية آبائهن وإخواتهن وإنجاب الأطفال والطهي والغسيل وحلب الأغنام وإعداد الحطب وجلب المياه وإعداد منتجات الثروة الحيوانية، والحرف اليدوية. وبغض النظر عن عدم تمنكنهن من الحصول على الإمكانيات التعليمية، فإن هيمنة ثقافة نظام الملالي المناهضة للمرأة وإعطاء الأولوية للرجال في جميع المجالات؛ تتغلب على الثقافة التقليدية للقرويين وتؤدي إلى حرمان الفتيات الريفيات.

وفي إشارتها إلى أكثر مشاكل المرأة الريفية في إيران تفاؤلًا في الوقت الراهن، اعترفت بريجهر سلطاني، سكرتيرة فريق العمل المعني بالمرأة الريفية والبدوية والمناطق المحرومة بمعاونية نظام الملالي للمرأة والأسرة بأن: “النساء الريفيات والعشائر ليس لديهن ماء ساخن في دورات المياه ويواجهن مشاكل في الحصول على الحمامات، ويغسلن الملابس بالماء البارد في الهواء الطلق وفي النهر”. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).
أنشطة المرأة الريفية

تلعب المرأة الريفية في إيران دورًا مهمًا في الاقتصاد الإيراني. إذ تشير الأدلة والإحصاءات المتوفرة إلى أن المرأة الريفية والعشائرية تقوم بإنجاز ما يربو عن 70 في المائة من الأنشطة المتعلقة بالثروة الحيوانية والداجنة، وحوالي 40 في المائة من الأنشطة المتعلقة بشؤون الزراعة والبستنة، و 80 في المائة من الأنشطة المتعلقة بتصنيع المنتجات الزراعية بالطريقة التقليدية، بيد أنه لم يتم التنوية عن دورهن في كثير من الحالات ويُسجل هذا الإنجاز للرجال. (موقع “همدلي” الحكومي، 6 أكتوبر 2020).
ومن المؤسف، أن هؤلاء النساء الريفيات المضطهدات يتعرضن إلى أسوأ أشكال العنف بسبب جهلهن بحقوقهن الإنسانية وهيمنة الذكورية السائدة في المجتمع والتي عادة ما تكون أكثر بروزًا في القرى.
وعلى الرغم من أن المرأة الريفية والعشائرية تلعبان دورًا مهمًا للغاية في الاقتصاد الريفي للبلاد، إلا أن التوجه نحو توظيفها والاستفادة منها كما ينبغي يظل هامشيًا.
ففي عام 2018، أعلنت الحكومة أنها أطلقت مشروعًا لتسهيل العمالة الريفية. بيد أنه على حد قول مستشارة الوزير والمديرة العامة لمكتب شؤون المرأة الريفية والعشائرية بوزارة الجهاد الزراعي، ظل 2300 صندوق للتمويل الأصغر للمرأة الريفية بدون استفادة من هذه التسهيلات. حيث أن هذه التسهيلات تواجه حاجزًا كبيرًا يسمى الضمان المصرفي، نظرًا لأن البنوك لا تقبل الممتلكات الريفية كضمان.
ومن بين الأشكال البربرية الأخرى لنظام الملالي الذكوري المناهض المرأة الريفية هو استيلاء سماسرة الحكومة على نتيجة ما بذلته المرأة الريفية من جهود. هذا وتواجه المرأة الريفية بعض المشاكل من قبيل عدم المعرفة بالأسواق الحديثة، وفقدان القدرة المالية الفعالة، ومحدودية معرفتها بالتعليم التكنولوجي، وعدم الوعي بتكييف القدرات الوظيفية مع نمط الحياة السائد للمستهلكين، والحواجز السياسية والاقتصادية التي تحد من وصولها إلى الأسواق العالمية، وعدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع الأسعار. وأساء الوسطاء الحكوميون استخدام هذه المشاكل، حيث قاموا بشراء المنتجات العشائرية التي استغرقت ساعات عديدة من العمل الشاق بأسعار متدنية وبيعها بأضعاف سعرها. (وكالة “إيمنا” الحكومية للأنباء، 12 نوفمبر 2019).
وفي هذا الصدد، تعترف بريجهر سلطاني بأنه: “بشكل عام، لم يتم اتخاذ أي إجراء فيما يتعلق بالحرف اليدوية للمرأة العشائرية، ولا توجد أي خطة للحرف اليدوية الخاصة بالمرأة البدوية. فعلى سبيل المثال، يبلغ الحد الأدنى لقيمة الكيلوجرام من الخيوط التي تغزلها النساء العشائريات بالبيلي ما يتراوح بين 60,000 إلى 70,000 تومان، بيد أنها تضطر إلى بيع هذا الغزل أو منتجاتها الأخرى بثلث الثمن للوسطاء بسبب عدم الوصول إلى الأسواق. فالوسطاء يستغلون المرأة الريفية والعشائرية”. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).

في غضون ذلك، جعل فيروس كورونا الوضع أكثر صعوبة إلى حد بعيد بالنسبة للمرأة الريفية في إيران. وقالت فاطمة إسماعيلي بور، المديرة التنفيذية لتعاونيات التمويل الأصغر للمرأة الريفية: “تعمل معظم النساء الريفيات في تربية الحيوانات وزراعة النباتات الطبية والحرف اليدوية، وهلم جرا. وقد فقدن وظائفهن تمامًا بسبب تفشي فيروس كورونا”.
وأضافت: ” نظرًا لأن مصدر رزق القرويين يعتمد في الغالب على الألبان، ففي هذه الأيام لم يستطعن بيع جميع منتجاتهن الريفية لعدم وجود مشتري لأن وباء كورونا أدى إلى إغلاق الأسواق اليومية والمحلات التجارية”. (وكالة “برنا” الحكومية للأنباء، 16 يونيو 2020).
هذا وتعمل بعض النساء الريفيات الأخريات في إيران اللاتي ليس لديهن رأس مال للعمل، كعاملات بأجر يومي. فعلى سبيل المثال، تعمل النساء في محافظة كلستان في مختلف القطاعات الزراعية، وتصارعن العديد من المشاكل.
وفي هذا الصدد، قال قاسم سوخته سرائي، رئيس النظام الاتحادي الزراعي في محافظة كلستان : “يمكن القول بأن المزارعات يحصلن في المتوسط على 60 في المائة من أجر الرجال”.
وأضاف: “لا يستطيع المزارعون دفع رواتب أقل للرجال لأنهم سوف يرفضون العمل، غير أن النساء مستعدات للعمل بأجر أقل لأسباب مختلفة”. (موقع “اقتصاد” الحكومي، 1 نوفمبر 2019).
جلب المياه واستنزاف أجساد النساء الريفيات

تواجه النساء الريفيات والمهمشات مجموعة من الأضرار والعنف أكثر من أي طبقة أخرى من النساء. وجلب المياه من الأنشطة التي تسبب أضرارًا جسدية للنساء والأطفال. وهذا النشاط المضني مستدام، نظرًا لأن أغلب القرى في إيران لا يوجد بها أنابيب لإمداد المنازل بالمياه، وتتحمل النساء والفتيات مسؤولية توفير المياه للأسرة. هذا ويتسبب حمل المياه يوميًا في حاويات ثقيلة وأحيانًا قطع مسافات طويلة في الطرق الترابية؛ في العديد من الإصابات الجسدية والنفسية للنساء.
وعلى حد قول بريجهر سلطاني، تضطر النساء البختياريات إلى قطع العديد من الكيلومترات وهن تحملن جرابات جلدية ثقيلة لنقل المياه يصل وزنها إلى 70 كيلوجرام. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).
وهذه المشكلة متفشية في محافظة سيستان وبلوجستان المضطهدة أيضًا. وتتعرض الفتيات والنساء الريفيات في هذه المحافظة إلى الإصابة بأمراض مختلفة بسبب الجفاف. إذ يتعين عليهن أن يقطعن مسافة طويلة عدة مرات يوميًا في طرق وعرة للغاية لجلب المياه للأسرة. والجدير بالذكر أن المشي لمسافة طويلة حاملات عبوات ثقيلة من الماء في حرارة تصل إلى 50 درجة صيفًا وفي برودة الشتاء القارس يعرضهن إلى الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض من قبيل القرص الغضروفي للفقرات وكسور في الفقرات القطنية في العمود الفقري وآلام الظهر والإجهاض.
وفي العديد من المناطق ليس أمام المواطنين خيار لتوفير المياه الصالحة للشرب والاحتياجات الأساسية الأخرى سوى جلب المياه من بحيرة الموت. مما يعرضهم للغرق أو يجعلهم فريسة للتماسيح. ففي السنوات الأخيرة فقط، توفي 20 طفلًا بسبب الغرق في بحيرة الموت (هوتك – حفرة لتجميع مياه الأمطار). (وكالة “إيرنا” الرسمية للأنباء، 23 يوليو 2019).
وفي جميع قرى هذه المحافظة، لم يتم مد حتى متر واحد من مواسير المياه. هذا ويعاني 80 في المائة من المواطنين في زاهدان من انقطاع المياه. وبسبب الجفاف الحاد، أصبحت بعض القرى غير مأهولة بالسكان، حيث رحل السكان إلى مشهد وكرمان وكلستان ويزد ومازندران بحثًا عن حياة أفضل.

هذا وأصبحت مشكلة الجفاف في خوزستان مشكلة حادة لسكان هذه المنطقة. وقال صادق حقيقي بور، المدير التنفيذي لشركة خوزستان للمياه والصرف الصحي: ” تواجه حوالي 700 قرية في محافظة خوزستان مشكلة متعلقة بإمدادات المياه وتوزيعها، وقد نوهنا عن هذه المشكلة مرارًا وتكرارًا، بيد أنه لا حياة لمن تنادي، فالحكومة لا تولى الأمر اهتمامًا”. (وكالة “إيرنا” الرسمية للأنباء، 13 يونيو 2020).
وفي الآونة الأخيرة، اعترف مجتبى يوسفي، عضو مجلس شورى الملالي عن الأهواز بأن سكان 800 قرية في خوزستان لا تتوفر لديهم مياه الشرب بشكل مستمر، على الرغم من قربهم من 5 سدود كبيرة و 7 أنهار. (وكالة “فارس” الحكومية للأنباء، 10 أغسطس 2020).
وفي ظل انعدام مياه الشرب وانقطاع المياه المتكرر، تواجه النساء في خوزستان العديد من المشكلات، سواء من حيث الصحة وسلامة الفرد أو من حيث رعاية أطفالهن. ويتعين على النساء الوقوف في طوابير طويلة لساعات عديدة للحصول على مياه الشرب حتى يتمكنَّ من توفيرجليكان من المياه الصالحة للشرب لعائلاتهن.
الظروف الصحية والتغذوية الوخيمة

تتسبب الظروف الصعبة للغاية التي تعيش فيها المرأة الريفية في إيران في تعرضها لأضرار صحية جسيمة.
أعلنت مجكان سلطاني، رئيسة مجموعة الرياضة النسائية في المديرية العامة للرياضة والشباب بمحافظة أردبيل، عن انتشار تشوهات في العنق والكتف والعمود الفقري والحوض والركبة والساق بين النساء الريفيات في هذه المحافظة، وتقول إن النساء الريفيات يعانين من التشوهات في الظهر والركبة أكثر من أي جزء آخر. (موقع “صحيفة همشهري” الحكومية، 18 ديسمبر 2019).
وتقول بريجهر سلطاني: “على النساء العشائريات مساعدة أنفسهن بأنفسهن، لأن المسافة من مكان إقامتهن إلى المراكز الطبية بعيدة جدًا. هذا وتواجة الأمهات الحوامل مشكلة في التغذية، وحصولهن على الإمكانيات الصحية متدني للغاية، وهلم جرا. وإذا كانت المرأة الريفية تنجب في الماضي مرة كل 3 سنوات، فإنها تنجب اليوم مرة كل سنة. والجدير بالذكر أن الفتيات والنساء الريفيات والعشائريات يعانين من سوء التغذية، نظرًا لأنهن لا تُجرين فحصًا سنويًا، ويتم تشخيص إصابتهن بالسرطان بعد فوات الأوان. لذا، يتفاقم المرض في أجسادهن”. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).
ثم أردفت سلطاني قائلةً: لم تتم الموافقة على وضع ميزانية للكشف على النساء الحوامل بالموجات فوق الصوتية سنويًا والسيطرة على أنواع السرطانات الشائعة التي تعاني منها النساء الريفيات والعشائريات.
وأضافت سلطاني في جزء آخر من حديثها: ” إن هؤلاء النساء في أمس الحاجة إلى خدمات طب الأسنان. إذ إن أسنان النساء الريفيات والعشائريات في حالة سيئة بسبب الحمل المتعدد وسوء التغذية، وخدمات طب الأسنان باهظة الثمن ولا يمكنهن تحمل تكاليفها. كما أن هؤلاء النساء محرومات من أقل المرافق اللازمة لممارسة الرياضة”. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 6 أكتوبر 2020).
والجدير بالذكر أن هذا النوع من المشاكل متفشي بدرجة كبيرة في بعض المناطق مثل محافظتي سيستان وبلوجستان، وخوزستان. وبسبب الجفاف المستمر على مدى 20 عامًا في هذه المناطق وكثرة الغبار، يعاني مواطنو سيستان وبلوجستان من بعض الأمراض مثل مرض الجهاز التنفسي والسل وضيق التنفس. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 4 يوليو 2018).
أكثر النساء اضطهادًا في ايران

ومن المؤسف، أن التقرير الذي بين أيدينا لم يغطي سوى جزء صغير جدًا جدًا من مشاكل المرأة الريفية في إيران. حيث لم يتطرق على الإطلاق إلى بعض القضايا المهمة مثل الوضع المأساوي للمنكوبين بالزلازل والفيضانات خلال السنوات والأشهر الماضية، وعدم إعطاء أولوية للبنى التحتية اللازمة للحياة الريفية، وتدمير النظام البيئي والبيئة بسبب المصانع الضارة أو تراكم القمامة في المناطق السكنية، وقيام مؤسسة المستضعفين والمؤسسات الحكومية الفاسدة الأخرى بتدمير منازل أبناء الوطن، وبناء السدود والإنشاءات غير العلمية في المنطقة الزراعية، وعدم اهتمام قوات حرس نظام الملالي على الإطلاق بحياة القرويين ولا بمشاكلهم في ظل تفشي فيروس كوفيد -19.
ومع ذلك، فإن هذا العرض الموجز يقدم صورة مؤلمة لوضع المرأة الريفية في إيران. ويمكننا أن ندرك أنه يتم تعريف النساء رسميًا على أنهن بشر من الدرجة الثانية في ظل حكم نظام الملالي المناهض للمرأة، في قانونه الخاص، ناهيك عما يحدث للنساء الإيرانيات الأكثر اضطهادًا اللاتي لا علاقة كبيرة لديهن بوسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق يتضح أن أي حديث عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وحتى التنمية البشرية والبيئية، نوع من الترف ولا معنى له دون السعي الجاد قدر الإمكان إلى عزل نظام حكم الملالي في إيران والإطاحة به برمته إلى الأبد.