إن العنف ضد المرأة في إيران آخذ في التصاعد في ظل دعم الحكومة على الرغم من فرد وسائل الإعلام الصحفية ووسائل التواصل الاجتماعي صفحاتها لهذا الموضوع على مدار الساعة ورغم الاحتجاجات وأنشطة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. وفي الواقع، نظام الملالي نفسه هو من يفرض العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والسياسي ضد المرأة وينفذه بشكل منهجي.
ينطوي دستور نظام الملالي المناهض للمرأة على مفهوم فاسد ومتخلف عن الإسلام من أجل إخضاع المرأة. ويُعد فرض الحجاب الإجباري الذي يتم تطبيقه بأمر ودعم من الحكومة أكثر أنواع العنف شيوعًا ووضوحًا ضد المرأة في إيران. حيث يُفرض الحجاب الإجباري على النساء من خلال 27 جهازًا قمعيًا، من بينها قوات الشرطة و “دوريات التوجيه”. ويعاقبون بشدة من يرفضن الحجاب الإجباري أو من يُعتبرن سافرات من وجهة نظرهم.
وعلى حد قول حسين أشتري، قائد قوات الشرطة، كان يتم القبض يوميًا في عام 2016 على أكثر من 2000 امرأة بسبب السفور.
واعترف مجلس شورى الملالي في تقريره عام 2018 أن 70 في المائة من النساء الإيرانيات لا يؤمنن بالحجاب الإجباري ويُعتبرن سافرات”. وأن 85 في المائة من السافرات يرفضن تدخل الحكومة لفرض الحجاب. وعلى الرغم من ذلك، فإن 27 جهة حكومية مسؤولة عن فرض الحجاب الإجباري بأي شكل من الأشكال حتى باللجوء إلى العنف.
فعلى سبيل المثال، شهد المجتمع الإيراني في أكتوبر 2015، قيام الجماعات غير القانونية بأعمال إجرامية بدءًا من الرش المنظم بالحمض على النساء وصولًا إلى انتهاك حرمتهن وإهانتهن لفرض الحجاب الإلزامي. وشجعت عدم ملاحقة نظام الملالي قانونيًا لهؤلاء المجرمين على تماديهم في ارتكاب هذا النوع من الجرائم وحوَّلت رش الحمض على النساء إلى جريمة شائعة.
العقوبات التعسفية الجنونية ضد المرأة: على سبيل المثال، حُكم على ثلاث نساء محتجات على الحجاب الإجباري بالسجن 55 عامًا و 6 أشهر بتهمة انتهاك الأمر الأرعن بارتداء الحجاب إجباريًا. وفي حالة قهر أخرى حكمت محكمة الثورة في طهران على ياسمن آرياني ومنيرة عربشاهي ومجكان كشاورز في 31 أكتوبر 19 بالسجن 5 سنوات، بتهمة “التآمر على الأمن القومي” وبالسجن لمدة عام بتهمة “نشر الأكاذيب ضد الولي الفقيه”. وبالسجن 10 سنوات بتهمة “التخطيط والتشجيع على الفساد والدعارة”. وبالإضافة إلى هذه الأحكام، حُكم على مجكان كشاورز بالسجن 7 سنوات ونصف بتهمة “إهانة المقدسات”.
زواج الفتيات الإجباري قبل الأوان
يمكن للفتيات في إيران أن يتزوجن في سن الـ 13، ويُسمح للآباء قانونيًا بتزويج بناتهم في سن الـ 9 بموجب موافقة القاضي على الزواج.
ورفض مجلس شورى الملالي في عام 2018 مشروع قانون يوصى بالعمل به يقضي برفع سن زواج الفتيات إلى 16 سنة بحجة أن مضمونه ضد الشرع والعرف الاجتماعي ويتنافى مع التعاليم الإسلامية. هذا ويتسبب هذا الضرب من ضروب العنف ضد المرأة في إيران في إلحاق الضرر بالأطفال ويسلط المزيد من الضوء على أنه حتى الفتيات لا يتمتعن بالحماية الكافية تحت وطأة نظام حكم الملالي.
والجدير بالذكر أن عدد الفتيات اللائي يتزوجن سنويًا في عمر الطفولة دون سن الـ 18 يبلغ 600,000 فتاة أو أكثر. وتم تسجيل زواج 234 فتاة دون سن الـ 15 في عام 2017 فقط.
بالإضافة إلى ذلك، ينص دستور نظام الملالي وغيره من قوانين على ضرورة تغطية الفتيات لشعرهن في عمر الـ 6 وخضوعهن للمساءلة أمام القانون عند بلوغهن سن الـ 9.
العقوبات الوحشية: الإعدام والجلد وغيرها من أحكام
إن العنف ضد المرأة في إيران تحت وطأة نظام الحكم الديني الديكتاتوري يعني أن المرأة تعيش تحت وطأة الاضطهاد الحكومي لدرجة أن الشك في ارتكابها لجريمة الزنا من الممكن أن يسفر عن الحكم عليها بالإعدام.
فعلى سبيل المثال، في يوم من الأيام كانت هناك طالبة تدعى سوسن منهمكة في العمل في مشروع في المنزل بمعية معلمها. والتقط زوجها مقطع فيديو لهما أثناء التعاون فيما بينهما في المشروع وتقدم بشكوى للقضاء، والغريب أن القاضي أصدر حكمًا بالإعدام على سوسن ومعلمها متجاهلًا البحث عن نوايا الزوج وحقيقة القصة. وتم تخفيف الحكم إلى 99 جلدة فقط بعد الاستئناف.
وفي مثال آخر، حُكم على ما لا يقل عن 10 فتيات من قرى جنوب إيران بالجلد 8 جلدات. ومن المذهل حقًا أن جريمتهم تنحصر في عدم قدرة أسرهم على دفع مصاريف المدرسة التي طلبها مدير المدرسة.
وفي حالات أخرى، حُكم على شابات بـ 99 جلدة بسبب مشاركتهن في تجمعات احتجاجية أو حفلات أعياد ميلاد أو حفلات التخرج.
سوء معاملة المدافعين عن حقوق الإنسان والسجناء السياسيين
واستمرارًا لسلوكياته المناهضة للمرأة يلجأ نظام الملالي إلى العنف السياسي أيضًا ضد المرأة. ويواصل نظام الملالي سلوكه المناهض للمرأة وينخرط في العنف السياسي ضد المرأة. إذ يقوم في إطار روتين منهجي بحبس السجينات السياسيات في السجن الانفرادي طويل الأمد المصحوب بالاستجواب والتعذيب. كما يتعرضن للتعذيب والإصابة بفيروس كورونا دون التمتع بالرعاية الطبية والتوصل لمحامٍ. وبغض النظر عن خطورة الإصابة بفيروس كوفيد – 19، فإن السجينات السياسيات غالبًا ما تعانين من أمراض أخرى.
كما أن قوات الأمن في ظل نظام الملالي معروفة باللجوء إلى العنف الجنسي ضد السجينات. وتلقت منظمة العفو الدولية تقاريرًا موثوقة أثناء إنتفاضة ديسمبر 2019 تفيد بأن المحقق تحرش بالمعتقلات وأجبر واحدة منهن على الأقل بإقامة علاقة غير شرعية واغتصبها عنوة.
العنف المنزلي وجرائم الشرف
يبلغ العدد الرسمي للنساء الإيرانيات اللاتي وقعن ضحايا للعنف المنزلي في غضون عام وطلبن المساعدة الطبية 77059 أو أكثر. ونُشرت هذه الإحصائية في وكالة “إيرنا” الرسمية للأنباء على لسان مدير مصلحة الطب الشرعي في عام 2018. بيد أنه في إيران تحت وطأة نظام حكم الملالي الذين يكتمون صوت المرأة، من المؤكد أن العدد الحقيقي يتجاوز هذا العدد بمراحل. وتضاعفت شكاوى العنف المنزلي خلال عام واحد بمقدار مرتين. وفي هذا الصدد، أضاف على هاديزادكان، مدير مصلحة الطب الشرعي في مشهد أن الضحيات الرئيسيات للعنف المنزلي المبلغ عنهن؛ من النساء ممن تتراوح أعمارهن بين 25 و 30 عامًا. وصرح بأن هذا العدد لا يشمل النساء اللاتي لا يشتكين في هذا الصدد.
وبالتزامن مع زيادة العنف ضد المرأة في إيران، انعكست الروايات المروعة لهذا العنف على الصعيد العالمي بشكل غير مسبوق. فعلى سبيل المثال، كانت قصة رومينا أشرفي أحد هذه الأمثلة، حيث تصدرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، ومن بينها:
فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا تعرضت للعنف وسوء المعاملة بشكل متكرر من قبل والدها، وناشدت السلطات المختصة مرارًا وتكرارًا طلبًا للمساعدة، ولكن لا حياة لمن تنادي ولم يغثها أحد. ووجدت رومينا، التي حُرمت من الدعم القانوني ضالتها للهروب من عنف والدها في اللجوء إلى منزل رجل كان يرغب في الزواج منها. ولكن بعد فترة تم القبض عليها، وعلى الرغم من أنها أكدت للقاضي أن والدها سوف يقتلها، إلا أن القاضي أمر بإعادتها إلى منزل والدها. وفي 21 مايو 2020، قطع والد رومينا رأسها حينما كانت غارقة في النوم لتصبح ضحية لجريمة الشرف.
والجدير بالذكر أن دستور نظام الملالي ينص على أن الآباء والأجداد من الأب هم الآخذين بالثأر، ويغض النظر في جوهره عن جرائم الشرف. وكما هو موضح في تقرير لجنة المرأة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الصادر في شهر مايو 2020، فإن نظام الملالي مسؤول عن جرائم الشرف، نظرًا لأن قوانين البلاد تحمي هذا النوع من جرائم القتل غير القانونية وتضفي عليها الطابع المؤسسي. حيث يُرتكب هذا النوع من القتل بشكل منهجي في إيران تحت وطأة نظام ديني قروسطي يستخدم الدين كذريعة لتحقيق رغباته القمعية المتعطشة للسلطة، بدلًا من الامتثال لحكم القانون.
تعنيف الأطفال و زنا المحارم
يبلغ عدد الشكاوي المسجلة عام 2016 من زنا المحارم في إيران 5200 شكوى أو يزيد. ويعترف نادي الصحفيين الشباب الذي نشر هذا التقرير بأن الأرقام المنشورة لا تشمل حالات اغتصاب أفراد الأسرة الآخرين، مثل الأعمام أو الأخوال أو آباء الأزواج.
ونشرت وكالة “إيسنا” الحكومية للأنباء تقريرًا آخر عام 2003 لا يمكن تصوره عن اغتصاب الآباء لبناتهم، يفيد أن متوسط سن الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب من آبائهن يتراوح ما بين 10 إلى 12 سنة، وأن سن الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب من أشقائهن يتراوح ما بين 15 إلى 16 سنة.
إن النساء والفتيات الإيرانيات لسن بمأمن حتى في منازلهن، ناهيك عن تعامل جلادي المنظومة القضائية معهن تحت وطأة نظام الملالي المناهض للمرأة.
مشروع القانون الذي لا يمنع العنف ضد المرأة في إيران
بعد 8 سنوات من الإسقاط النفسي والتهديد، في نهاية المطاف أعلن الجهاز القضائي في نظام الملالي في 17 سبتمبر 2019 في خطوة شكلية لقمع الاحتجاجات الواسعة النطاق احتجاجًا على مناهضة المرأة المؤسسي والعنف ضدها في إيران؛ عن أنه صدق على مشروع قانون يقضي بحظر اللجوء للعنف ضد المرأة وتم تسليمه للحكومة.
وتمت إحالة مشروع القانون إلى الحكومة لإعادة النظر فيه، بعدما حذفت السلطة القضائية 15 بندًا منه إبان تغيير عنوانه إلى “الحماية والسماحة وضمان أمن المرأة ضد العنف”، وبالتالي غيروا الهدف من مشروع القانون وفرَّغوه من أي فعالية محتملة. وهو ما وصفته عضوة مجلس شورى الملالي، بروانه سلحشوري بأنه أمر من باب المستحيل تحقيقه، واعترفت بأنه لن يفك عقدة قضية العنف ضد المرأة.
وقالت سلحشوري: “إذا تم تمرير مشروع القانون المشار إليه أعلاه، فإن وضع المرأة سيكون أكثر سوءًا بمراحل، حيث أنه تم حذف عبارة “العنف ضد المرأة” من مشروع القانون الحالي. وإما أنه قد تم حذف قائمة الأجزاء المتعلقة بأمن المرأة أو تغييرها بطريقة أو بأخرى. نتيجة لذلك، فقد مشروع القانون طبيعته”.
هذا ولا يقدم مشروع القانون الحالي منذ البداية أي تعريف وإطار لمعاني العنف ضد المرأة تُحدد على أساسه الجريمة وآلية الردع ومن ثم العقوبة. ولكن، بشكل عام، تكررت في مشروع القانون المذكور بعض الأحكام الجنائية المنصوص عليها في قانون العقوبات الحالي.
هذا ولا يحتوي مشروع القانون على أي ضمانات تنفيذية أو سلطة موثوق بها للمحاسبة، ولا يقدم أي استثمار مالي لمنع العنف أو تنظيم ضحايا العنف وإيوائهم.
ومع كل ذلك، لم ترفض حكومة روحاني بعد أكثر من عام حتى الآن إحالة مشروع القانون المذكور إلى مجلس شورى الملالي للتصديق النهائي عليه.
خلاصة القول
في النهاية، يجب القول إن حقوق المرأة لن تتحقق طالما أن المجتمع الإيراني يعيش تحت وطأة ديكتاتورية مناهضة للمرأة.
والحقيقة هي أن العنف ضد المرأة في إيران سيستمر طالما يحظى بدعم حكومي وقانوني.
لذا، يجب على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الاستمرار في الضغط على نظام الملالي ومحاسبة مسؤوليه على ما ارتكبوه من جرائم وممارسة العنف ضد المرأة في إيران.
