وفاة مساعدي الأطباء – نهاية مأساوية مرفوضة لصفوة طلاب إيران وأذكاهم. والجدير بالذكر أن ضغط العمل، والضعف الناجم عنه، فضلًا عن أمور ومشاكل أخرى من أسباب وفاة مساعدي الأطباء، في إيران. (وكالة “إيسنا” الحكومية للأنباء – 3 نوفمبر 2021).
وكتبت وكالة “إيسنا” الحكومية للأنباء معترفةً بأن انتهاء هذه المأساة أمر غير ممكن: “يمكننا القول بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا العدد سيرتفع بدرجة أكبر”.
والجدير بالذكر أن نظام التعليم الفاسد، وتدني الأجور، وغياب التأمين؛ كلها تقضي على آمال مساعد الطبيب في مستقبل مزدهر.
لهذا السبب، أصبحت وفاة مساعدي الأطباء وانتحارهم، في الأشهر الأخيرة، قضية محورية للأخبار في إيران. وتفيد وسائل الإعلام الحكومية في بعض الحالات بوفاة مساعدي الأطباء نتيجة للإصابة بفيروس كورونا. ومع ذلك، يشير بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى انتحار مساعدي الأطباء.
وبعثت مجالس اتحادات طلاب جامعات العلوم الطبية في إيران برسالة إلى وزير الصحة أبلغوه فيها عن انتحار 4 أفراد من مساعدي الأطباء في مدينة طهران، خلال الأسبوع الأخير من شهر أبريل والأول من شهر مايو 2021. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء – 4 مايو 2021).
وتجدر الإشارة إلى أن العمل المرهق والمناوبات الطويلة الفترة من أسباب انتحار مساعدي الأطباء. والحقيقة هي أن كلًا من وزارة الصحة، والجهاز الطبي ينظران – تحت وطأة حكم الملالي – لمساعدي الأطباء على أنهم قوة عاملة رخيصة للغاية. وهذا النظام الفاسد يجعل صفوة الطلاب الإيرانين وأذكاهم يصارعون الاكتئاب ليس إلا. (صحيفة “شرق” الحكومية – 14سبتمبر 2021).
آناهيتا شهراسبي
توفيت مساعدة الطبيب في قسم الطواري بمستشفى سينا بطهران، آناهيتا شهراسبي، في 9 سبتمبر 2021، متأثرة بإصابتها بسكتة قلبية نتيجة لضغط العمل الشاق فى قسم الطوارئ الخاص بوباء كورونا. (موقع العلاقات العامة بجامعة طهران للعلوم الطبية – ١٤ سبتمبر 2021).
ويؤدي عدم وجود طاقم طبي كافٍ إلى زيادة ضغط العمل على مساعدي الأطباء. والجدير بالذكر أن وفاة مساعدة الطبيب المشار إليها، هي الحالة العاشرة على مدى أقل من 6 أشهر؛ اعتبارًا من بداية الربع الثاني من عام 2021.
منيرة فروغي
منيرة فروغي، طالبة الدكتوراه المتخصصة في قسم أمراض النساء والتوليد بجامعة بهشتي للعلوم الطبية في طهران، هي مساعدة الطبيب الـ 11 التي فقدت حياتها في عام 2021. وهناك أخبار مختلفة حول وفاة الدكتورة فروغي. إذ يعزو البعض وفاتها إلى وباء كورونا، ويعزو البعض الآخر هذه الحادثة المريرة إلى سلسلة انتحارات مساعدي الأطباء. (موقع “إيسكانيوز” الطلابي – 31 أكتوبر 2021).
كتبت هانية رادخواه، أخصائية طب الباطنة، وعضوة هيئة التدريس بجامعة طهران، في صفحتها على إنستغرام ردًا على وفاة منيرة فروغي: لم يكن من المفترض أن يكون الانتحار والسكتة القلبية والهجرة، والاكتئاب هم نهاية قصتنا. كان من المفترض أن نكون أزهارًا مبتسمة، وأن نكون أبناء إيران، بيد أن هذا لم يحدث … إلخ. لقد وفرتم لأبنائكم أنتم الانتقال وحصة التخصص الطبي والإعفاء من الخطة والمستقبل العملي. ماذا ستفعلون بالنسبة لنا ولأبناء الشعب؟ لا يجوز أن يكون الموت نهايتنا، وتدفن كل هذه الآمال … إلخ. في التراب.
وكتبت أحدى مستخدمات وسائل التواصل الاجتماعي من صديقات منيرة فروغي رسالة لـ “عليرضا زالي”، رئيس جامعة بهشتي للعلوم الطبية، ورد فيها: كان من المفترض أن نضع الزهور على رأسها، لا على نعشها. أتيت مع حارسك الشخصي والكاميرا، لتصوير أي فيلم؟ فهل سمعتها وهي على قيد الحياة؟. (موقع “إيسكانيوز” الطلابي – 31 أكتوبر 2021).
والجدير بالذكر أن ما لا يقل عن 3 مساعدين للأطباء انتحروا، قبل وفاة منيرة فروغي، وتم التأكيد على هذا الأمر. حتى أن عناوين سلسلة الانتحارات احتلت العناوين الرئيسية لهذا النوع من الأخبار في بعض وسائل الإعلام الحكومية.

المناوبات تتسم بالارتجالية
صرح الطبيب مهديار سعيديان حول مشاكل مساعدي الأطباء بأن: “الحد الأدنى لفترة مناوبة مساعدي الأطباء الإيرانيين يجب أن يكون 24 ساعة، ومن الممكن أن تستمر حتى 32 ساعة، وأن هذه المناوبات تتسم بالارتجالية، في ظل تفشي وباء كورونا، ويجبرون مساعدو الأطباء على استلام المناوبات بشكل متوالي. ويحدث ذلك على الرغم من أن القانون ينص على أن يكون الحد الأقصى لعدد مرات تكليف مساعد الطبيب بالمناوبة 12 مرة في الشهر، بيد أنه لا تتم مراعاة هذا الأمر على مستوى البلاد. وتُغير جامعات العلوم الطبية هذا القانون متى شاءت ولا تلتزم به”. (وكالة “إيسنا” الحكومية للأنباء – 3 نوفمبر 2021).
وعلى مساعد الطبيب، بموجب اللائحة التي بلغته بها وزارة الصحة أن يتواجد في المستشفى 12 يومًا في الشهر لمدة 24 ساعة، وأن يبقى في المستشفى أيضًا، خلال الـ 18 يومًا المتبقية، اعتبارًا من الساعة الـ 6 في الصباح الباكر حتى الساعة الـ 6 مساءً. ويبلغ راتب مساعد الطبيب العازب 2,700,000 تومان، والمتزوج 3,200,000 تومان.

مساعدو الأطباء يُستغلون في إيران
مساعدو الأطباء في إيران هم القوى العاملة التي تحصل على أدنى رواتب ومزايا، بيد أن معظم العمل يقع على عاتقهم. وبموجب مجموعة قوانين المنظومة الطبية، فإن المسؤولية القانونية تقع على عاتق مساعد الطبيب، ويؤدي في الوقت نفسه عمل الأستاذ في المستشفى.
ويُعتبر مساعدو الأطباء قوة عاملة مجانية. حيث أنهم يتقاضون راتبًا قدره 6500 تومان تقريبًا عن كل ساعة عمل (وهذا المبلغ لا يساوي دولارًا واحدً).
وبسبب عدم توظيف وزارة الصحة للأطباء العامين تقوم بتكليف مساعدي الأطباء بأداء جميع وظائف الطبيب العام أيضًا، وبهذه الطريقة يستغلونهم أسوأ استغلال. وخلاصة القول هي أنهم يسعون بهذا الأسلوب من السخرة إلى حل مشكلة نقص الأطباء والطاقم الطبي، إلى حد ما. وتُعطي وزارة الصحة رواتب متدنية أو أنها لا تعطي رواتب على الإطلاق، ولا تولي أي أهمية لنفسية وعقلية مساعدي الأطباء بأي شكل من الأشكال.
وللعلم، تُعتبر ساعات عمل الأطباء وحتى الموظفين البسطاء في المستشفيات أمرًا مهمًا في البلدان المتقدمة؛ لأنها تؤثر على عملهم وتتسبب في ارتكابهم للمزيد من الأخطاء.
والجدير بالذكر أن مساعدي الأطباء في البلدان الأخرى يخضعون لقانون العمل، ويتمتعون بالتأمين، بينما يتعين على مساعدى الأطباء في إيران تحمُّل تكاليف الفحص البسيط بالأشعة المقطعية حتى عند إصابتهم بوباء كورونا. وهذا الأمر ناجم عن الإهمال وفشل إدارة وزارة الصحة تجاه مساعدي الأطباء. وبسبب هذه المجموعة من الظروف، يهاجر العديد من خريجي كليات الطب إلى البلدان المجاورة أو الدول الأوروبية والأمريكية.
واعترف مسؤول حكومي، في الآونة الأخيرة، بأن 900 شاب من أعضاء هيئة التدريس، و 3000 طبيب هاجروا من إيران العام الحالي (2021). (صحيفة “اعتماد” الحكومية – 12 ديسمبر 2021).

مساعدات الأطباء يعانين من مشاكل مضاعفة
وتضطر مساعدات الأطباء إلى أن يتحمَّلن شتى أشكال العنف لكونهن نساء، فضلًا عن ضغط العمل. وتجدر الإشارة إلى أن مساعدات الأطباء في المستشفيات في منتصف العمر، والعديد منهن متزوجات ولديهن أطفال. وتواجه مساعدات الأطباء اللواتي يضطررن إلى تحمل ضغوطًا مضاعفة بصفتهن أمهات في المجتمع الإيراني الذكوري؛ وضعًا أكثر صعوبة. وتقضي هؤلاء الأمهات أيامًا متوالية بعيدًا عن أبنائهن، بسبب المناوبات الطويلة المدة. ويتعين عليهن العودة إلى منازلهن بعد ساعات عديدة من العمل وتحمل كافة ضغوط العمل المنزلي.
نُشر في مايو 2021 خبرٌ صادمٌ يتعلق بالاستقالة الجماعية لمساعدات الأطباء في العام الأول من قسم النساء، في أحد مستشفيات العلوم الطبية في طهران. وقدَّمت مساعدات الأطباء في جامعتي العلوم الطبية في إيران وشيراز استقالتهن بشكل جماعي، في وقت سابق؛ بسبب تجاهل مطالبهن.
وكتبت هؤلاء النساء في بعض أجزاء من نص الاستقالة الجماعية حول مشاكلهن: “نحن نحاول ألا نمرض، بيد أننا لم نفلح في ذلك، حيث أن معظمنا يعانين من التهابات متكررة في المسالك البولية. وليست لدينا الفرصة لشرب كمية كافية من السوائل. كما أننا لسنا لدينا فرصة لتفريغ مثانتنا. وتنمو الجراثيم في أجسامنا. ونُصاب بالحمى بعيدًا عن الأنظار. ونأكل شفاهنا لا شعوريًا. بيد أننا لا نتذمر”.
ومن التحذيرات التي تتلقاها مساعدات الأطباء منذ بداية دخولهن المستشفى عدم الحمل خلال هذه الفترة. والغريب أنه لا يتم تقليص ساعات عمل مساعدات الأطباء اللواتي حملن خلال هذه الفترة أو تقليص عدد مرات مناوباتهن الشهرية على الإطلاق، على الرغم من حالتهن الجسدية والنفسية المتردية. إذ يتعين عليهن تحمل عدد مرات المناوبات الطويلة المدة وعدد ساعات العمل العديدة حتى آخر شهور الحمل، أسوة بمساعدات الأطباء الأخريات. وتبلغ فترة إجازة الولادة لمساعدات الأطباء شهرين فقط.
ووصف البعض من مساعدات الأطباء هؤلاء اللواتي قدَّمن استقالتهن من العمل؛ التسلسل الهرمي الوظيفي لمساعدات الأطباء بأنه شكل جديد من أشكال العبودية وإهانة للإنسانية.
والجدير بالذكر أن ظروف مساعدات الأطباء في السنة الأولى، في ظل النظام الطبي الإيراني، تختلف عن ظروف نظرائهن في السنوات الثانية والثالثة والرابعة، حيث أنهن يعانين من التمييز. وتتعرض مساعدات الأطباء في السنة الأولى لضغوط كثيرة. حيث أنهن يكلَّفن بمناوبات عمل كثيرة، ويقضين 21 يومًا ليلًا في الشهر، في المستشفى. وبسبب انفتاح القطاع الخاص، وعمل الأساتذة في هذه الأقسام، يقضي الأساتذة وقتًا أقل في التدريب في المستشفيات، وتتحمل مساعدات الأطباء في السنة الأولى المزيد من الضغوط النفسية.
وقالت إحدى هذه النساء الكادحات في قسم النساء والولادة: “إنهم يكلفوننا بمناوبات عمل إضافية، وقد تعبنا بما فيه الكفاية وفاض بنا الكيل. وفي سياق انهاكنا، كانت الضحايا بلا شك من مرضانا. ضحايا بسبب ما نعانيه من أرق شديد وجوع، وبسبب التدريبات نصف المكتملة والخاطئة. وكان المولود الصغير الذي كُسر ذراعه أثناء الولادة ضحية النظام المتدهور للمستشفى”.