وجهًا لوجه مع الوحش (6)

وجهًا لوجه مع الوحش (6) من كتاب بقلم هنغامه حاج حسن – الجزء السادس

هنغامه حاج حسن

من كتاب بقلم هنغامه حاج حسن – الجزء السادس

في الجزء الخامس من مذكرات السجن من كتاب “وجهًا لوجه مع الوحش” لهنغامه حاج حسن، ممرضة مستشفى سينا في طهران، تابعنا قصصها عن الاعتقال، التعذيب، المقاومة البطولية، وإعدام زوجين بطلين. في هذا الجزء، نقرأ عن الإعدامات الجماعية عام 1981:

الإعدام في كل وقت

في عنبر 209، كان يعلو يوميًا حوالي الساعة السادسة مساءً، مع توزيع العشاء، صوتٌ مرعب كأن شاحنة تفرغ حمولة ثقيلة من الحديد دفعة واحدة. حاولنا فهمه دون جدوى، وظنناه أصوات بناء حتى تبدّد هذا الوهم.

في إحدى الليالي، عادت إحدى الفتيات من التحقيق وقالت إنهم يأخذون مجموعة للإعدام. تلك الليلة، كان صوت “تفريغ الحديد” أشد رعبًا. أدركنا جميعًا في لحظة أنه صوت إطلاق النار! صوت عشرات الأسلحة تطلق الرصاص معًا، تصب النار والرصاص المنصهر على الأجساد. ساد صمت مؤلم ثقيل. كنا مجتمعين حول حساء رقيق هو العشاء، وهمسنا بأنشودة “وطن الشهداء”:

«يا إيران، يا مهد الشهداء، يا موطن الأسود الخالد، كنتُ أنا، في انتظار الفجر، حتى أصبح من المجاهدين، أفنيتُ حياتي لشعب إيران، في الصباح الأخير…»

لكن نظام خميني لم يكن يعدم في الصباح فقط، بل في المساء والفجر وفي كل وقت. كنا ننتظر الإعدامات عند الفجر كما قرأنا في الكتب، لكنها كانت تحدث في أي لحظة. توقفنا عن الأكل، وجلسنا في صمت مطأطئي الرؤوس.

رأيت ملعقة زهراء ترتجف وهي تمتد نحو طبقها، لكن دموعها كانت تسبقها، تسقط قطرة قطرة في الحساء. وهي، كالمسحورة، ترفع ملعقة الحساء إلى فمها ببطء ودموعها تنهمر.

بعد انتهاء الأنشودة، طلبت من إحدى الفتيات أن تساعدني لأصعد إلى النافذة العالية في الجدار، عساي أرى أو أسمع شيئًا. لم أرَ سوى جدار، لكنني سمعت أصوات طلقات منفردة – طلقات الرحمة – وعددنا أكثر من 120 طلقة، دليلًا على قتل 120 إنسانًا! صار هذا روتيننا كل ليلة: صوت “تفريغ الحديد”، أنشودة وطن الشهداء، ثم الصعود إلى النافذة لعدّ الطلقات وتسجيل الإعدامات الجماعية.

في الليلة التي أعدموا فيها الأم كبيري، عدَدنا أكثر من 220 طلقة منفردة.

لا أستطيع، ولن أستطيع أبدًا، وصف شعورنا ونحن نعدّ الطلقات واحدة تلو الأخرى، نعلم أن كل طلقة تعني نهاية حياة. موت طوبى، فهيمة، ناهيد… أولئك الذين أحببتهم كثيرًا.

عندما كانت الطلقات تتجاوز الـ50، الـ60، الـ80، ثم الـ100 وتستمر، كانت القلوب تصل إلى الحناجر. كل طلقة كانت تهز أعماقنا، وكأن العقل سينفجر. وعندما تنتهي، نعلم أن الوحش لا يزال عطشًا، يزمجر. من سيكون الضحية غدًا؟ كم عدد الذين سيعدمون غدًا؟ قرأت كثيرًا عن معسكرات الموت النازية، حيث كانوا يقتلون ضحاياهم في غفلة، يوهمونهم بالاستحمام ثم يرسلونهم إلى غرف الغاز. لكن في إوين وسجون خميني الأخرى، كانوا يمزقون الضحايا أولًا، يعذبونهم أيامًا وأسابيع وشهورًا وسنوات تحت مخالب الموت، يقتلون أعز أحبائهم أمام أعينهم، ثم يقتلونهم.

صدق أشرف (رجوي) الشهيدة حين قالت إن العالم لم يعلم ما حل بشعب إيران.

Exit mobile version