من كتاب بقلم هنغامة حاج حسن – الجزء التاسع
في العدد السابق، قرأنا ذكريات السجن من كتاب “وجهاً لوجه مع الوحش” لـ هنغامة حاج حسن، عن مقاومة الأمهات المسنات في سجون النظام الملالي. في هذا العدد، نتابع ذكريات هنغامة ومقاومة النساء في الأسر.
حصة الجلد
في غرفتنا، كانت هناك من يتلقين “حصة الجلد” كل ليلة. كانوا يأخذونهن للتحقيق، يجلدونهن بالكابلات، ثم يعدن قرب الفجر بأقدام دامية متورمة. كنا بدورنا نمسح أقدامهن حتى الليل لتخفيف الألم والتورم، ليكون التعذيب المقبل أقل إيلاماً ولئلا تنهار أجسادهن سريعاً. “
حصة الجلد” من أسوأ أنواع التعذيب، فهي لا تنتهي. كل يوم عليك تحمل عدد معين من الجلدات. تحمل هذا التعذيب المتكرر، حيث تقع الجلدات الجديدة على جروح الأمس، يتطلب صموداً جبلياً.
من بين هؤلاء في عنبرنا كانت ”مينا إيزدي“ و”زهراء شب زنده دار“. لا أعلم لماذا قرروا تعذيبهما كل ليلة.
كانت ”مينا“ فتاة شابة متوسطة القامة، ذات شعر فاتح ووجه منمش. رغم حصة الجلد اليومية، كانت دائمة الضحك، تمازح الآخرين، ولا تسمح لتعذيبها اليومي أن يؤثر سلباً على الجميع.
أما زهراء، الطالبة المقاومة، فقد كانت تقاوم بصلابة. ذات مرة، بينما كانت تتجول في فناء السجن متعثرة لتخفيف تورم قدميها وتستعد لجولة الجلد التالية، قالت: «هذا المحقق أحمق، حقاً أحمق! يظن أن بإمكانه إجبارنا بالكابلات على إنكار ما نؤمن به ورفض الحقيقة. لن يفهم أبداً أن هذا مستحيل. إنه محكوم بالعيش في جهل أبدي. لهذا أقول إنه أحمق، والنظام بالتأكيد يبذل جهداً للعثور على أمثال هؤلاء الأغبياء النادرين.»
رمضان في السجن
عندما حل أول رمضان في السجن، كنا نأمل أن يوقفوا حصة الجلد لـ مينا وزهراء احتراماً للشهر، لكن ذلك لم يحدث. أدركنا حينها أننا لم نفهم بعد هؤلاء وكيفية تعاملهم مع الدين.
الدين الذي آمن به خميني وجلادوه لم يكن له صلة بالرحمة أو الشفقة. دينهم يروج فقط للكراهية والقسوة، ويمهد الطريق لمزيد من التعذيب.
كانوا ينادون على مينا وزهرة عند الإفطار، حين يهمون بتناول طعام الإفطار بعد يوم صيام، ويعودون بهما عند السحور. كنا ننتظرهما حتى السحور قلقين، على أمل أن يتمكنا من تناول السحور. لكنهما كانتا تعودان بأقدام متورمة، عيون غائرة، شفاه جافة، ووجوه شاحبة، منهكتين بحيث لا يقويان على الأكل، وما إن يجلسن حتى يغرقن في النوم من شدة الإنهاك. أُعدمت مينا في عام 1981، بينما استشهدت زهراء في مجزرة عام 1988.