من كتاب بقلم هنغامة حاج حسن – الجزء الثامن
في الأعداد السبعة السابقة، قرأنا ذكريات السجن من كتاب “وجهاً لوجه مع الوحش” بقلم هنغامة حاج حسن، ممرضة مستشفى سينا في طهران، عن وحشية الجلادين ومقاومة السجينات. في هذا العدد، نسلط الضوء على مقاومة الأمهات المسنات في السجن. كتبت هنغامة حاج حسن عن هؤلاء النساء:
الأمهات المجاهدات المسنات
إن تعذيب الأمهات المجاهدات قصة بحد ذاتها. كان الجلادون يحملون حقدًا غريبًا تجاه هؤلاء الأمهات، ولم يتوانوا عن أي دناءة في تعذيبهن. كنّ هؤلاء الأمهات ركيزة في السجن، خاصة عندما كانت الحارسات يتجاوزن حدودهن، فكانت الأمهات يتخذن موقفًا بطوليًا، يحمين الفتيات ويواجهن الظلم كاللبؤات.
إحدى هؤلاء الأمهات البطلات كانت الأم محمدي، التي كان ” أسدالله لاجوردي“ الجلاد يحمل حقدًا كبيرًا عليها بسبب ابنها ”إبراهيم ذاكري“، أحد قادة في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية . لم يترك لاجوردي وسيلة إهانة أو تعذيب إلا واستخدمها ضدها. لكن الأم، التي كانت تعرف سوابقه، كانت تفضحه وتذله أمام السجناء، وتتحدث إليه من موقف عالٍ، مما جعل لاجوردي يتجنب مواجهتها أمام الجميع.
كانت تقول له: «يا أسد الله! أتذكر عندما كنت تفتخر بأن المجاهدين يحسبونك حسابًا ويتحدثون معك؟ ماذا حدث الآن حتى أصبحت مثل يزيد تقتلهم؟ استحِ على نفسك!»
في إحدى المرات، بينما كانت الأم تصلي، اقتربت منها حارسة تُدعى راحلة، التي قيل إنها ابنة الملا موسوي تبريزي، وأثارت الغبار في العنبر، ثم وجهت كلامًا للأم، منتقدة صلاتها لتظهر قوتها. أنهت الأم صلاتها، ثم انتزعت نعلها وهجمت على الحارسة قائلة: «يا نجسة، أنتِ تعلّمينني الإسلام؟!» وطاردتها.
هربت راحلة من خوفها، فتحت باب العنبر وجريت كالكلبة التي تضع ذيلها بين ساقيها، صاعدة السلالم، بينما كانت الأم تطاردها وتشتمها. لاجوردي الجلاد، بسبب هذه المقاومة وإيمان الأم العميق بآرمان المجاهدين، عذّبها بنفسه ثم أعدمها.
في تعذيب الأم محمدي والأم كبيري، لم يترك لاجوردي الجلاد أي حدود للدناءة. كان يكره هؤلاء الأمهات المجاهدات اللواتي عرفن ماضيه وفضحنه بجرأة، ولم يتنازلن عن آرمانهن وحبهن للمجاهدين تحت أي نوع من التعذيب.
لم أرَ لاجوردي عن قرب، وكنت أرى وجهه الكريه في الصور أو من بعيد في حسينية إيفين. في إحدى المرات، لا أعرف لماذا، جاء إلى عنبرنا وقال كلامًا سخيفًا وتوعّد الجميع. وقف أمام باب غرفتنا، وتمكنت من رؤيته عن قرب. أقسم أنني لم أرَ في حياتي كائنًا مقززًا مثله، حتى في الأفلام. كان وجهه مخيفًا وكريهاً. عندما أزال نظارته لتنظيفها، رأيت عينيه، كأنهما وعاءان مملوءان بدم قذر، بنظرة لا يمكن وصفها. لم أجد كلمة أو جملة تصف قبحه، كان كالأفعى المقززة.
كانت أمي دائمًا تقول: لا يوجد إنسان قبيح، لكن الله يظهر سيرة الإنسان في وجهه. لاجوردي كان الدليل الوحيد في حياتي على صحة كلام أمي. في مظهره ووجهه، لم أرَ إنسانًا، بل وحشًا حقيقيًا. ربما كان هذا كشفًا إلهيًا.