مهري حاجي نجاد: لحظات الاعتقال والنقل إلى سجن إيفين

مهري حاجي نجاد: لحظات الاعتقال والنقل إلى سجن إيفين

مذكّرات السجن لمهري حاجي نجاد من كتاب “آخر ضحكة ليلى” – الجزء الأول

بعد المظاهرة السلمية في 20 حزيران/ يونيو 1981، التي شارك فيها نصف مليون من أبناء الشعب في طهران، وردّ عليها نظام خميني بالرصاص والمجزرة الوحشية، بدأ النظام بحملة قمع واعتقالات واسعة ضد أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. وفي هذا السياق، كان يتمّ اعتقال الأشخاص عشوائيًا في الشوارع والأزقة، أو مداهمة منازلهم وأماكن عملهم بعد تحديد هويتهم، ثم نقلهم إلى السجون.

كانت مهري حاجي نجاد، التي كانت آنذاك مراهقة تنشط في القسم الطلابي للمنظمة في العمل الدعائي، من بين الذين اعتقلهم عملاء النظام القمعي ونُقلوا إلى سجن إيفين. ومنذ أوائل عام 1980، كانت تتولى مسؤولية عدة مدارس، وكانت مع زميلاتها تخوض مواجهة مباشرة مع رجعية خميني.

بعد اعتقالها في 11 آب/ أغسطس 1981 وحتى عام 1986، ذاقت مهري مرارة سجون خميني في إيفين وقزلحصار وكوهردشت لمدة أربع سنوات وثمانية أشهر. وقد دوّنت في كتابها «آخر ضحكة ليلى» ذكريات مقاومة رفيقاتها في تلك الأيام من الأسر.

في الأعداد القادمة، ستقرؤون مذكّرات السجن لمهري حاجي نجاد، التي نُقّحت بعض أجزائها للنشر في الموقع.

لحظات الاعتقال

كان يوم عيد الفطر عام 1981، الموافق 2 آب/أغسطس 1981. في الموعد الذي حددته مع مسؤوليتي وجيهة عبادي[1]، قالت لي إن هذا الأسبوع هو الأسبوع الأخير لحملة ربط الأعضاء، وأن مجموعتنا ستنتقل إلى تنظيم جديد. كنت متحمّسة جدًا للانضمام إلى هذا التنظيم الجديد، وكنت أعدّ الأيام بفارغ الصبر. في ذلك الأسبوع أنجزنا أعمالنا بسرعة أكبر.

كان موعدي التالي مع وجيهة في يوم 11 آب/ أغسطس. كان الجوّ حارًا جدًا حتى إن التنقل في النهار لم يكن مريحًا. كان موعدنا حوالي الساعة السادسة مساءً. كنت أنتظر بفارغ الصبر أن أقدّم لها التقرير النهائي حول ربط العناصر المنقطعة، لتربطني بالتنظيم الطلابي الجديد.

حين وصلت وجيهة، تمشينا معًا نحو ساعة وقدّمتُ لها تقريري. قالت لي أن أذهب لمدة ثلاثة أيام إلى منزل في شارع ”كارون“، لعلّي أتمكن من العثور على آخر العناصر المنقطعة. كان ذلك المنزل من القواعد العامة تقريبًا، المعروفة نوعًا ما لدى الأجهزة الأمنية، ومعظم العناصر كانت تملك رقم هاتفه. وكان شرط بقائي المؤقت فيه هو أن أبقى مستيقظة ليلاً، لأن المنزل كان يُعتبر “قاعدة حمراء” يجب أن تكون جاهزة في أي لحظة للمغادرة. وإضافة إلى ذلك، فإن المنطقة نفسها كانت بالنسبة لي “حمراء”، لأن مدرستنا كانت هناك، وبعد حادثة فصلي من المدرسة، بقيت صورتي لمدة ثلاثة أشهر بيد لجنة المنطقة الثامنة والحرس والمخبرين المحليين، وكان قد صدر أمر باعتقالي.

ذلك اليوم، قرابة السابعة مساءً، ودّعت وجيهة واستقليت سيارة متجهة إلى غرب طهران. نزلت قرب مؤسسة الطب البيطري لأكمل الطريق سيرًا عبر الأزقة إلى منزل صديقتي أكرم. ولم أقطع مسافة طويلة حتى لاحظت تحركات مريبة حولي، وأحسست أن عدة أشخاص يسيرون بالقرب مني.

سرّعت خُطاي حتى أصل إلى الشارع الرئيسي لأستقل سيارة وأغادر المنطقة. وفي تلك اللحظة، تقدّم أحد العملاء وسألني: «هل أنتِ السيدة حاجي نجاد؟» وأراني بطاقة هويتي الدراسية. فأنكرت وقلت: «لا، لست أنا».
ضاق الطوق حولي وقال: «تعالي معنا بضع دقائق، لدينا بعض الأسئلة، لأن هذه صورتك».

في الحال رموني إلى قبو مسجد أبي الفضل. كنت أشعر أن الزمن يمر بسرعة البرق. قلت لهم: «أنا لا أفهم الفارسية جيدًا، أحضروا شخصًا يفهم لغتكم». على الفور أخذوا حقيبتي، واستدعوا امرأة لتفتيشي جسديًا.

وعندما كشفت تلك المرأة طرف حجابها، ذُهلت مما رأيت، إذ كانت ترتدي تحت ذلك الحجاب المسمّى إسلاميًا، فستانًا أحمر قصيرًا بدون أكمام. لم أكن أتصوّر أن أولئك النساء من البسيجيات، اللواتي يضايقن الفتيات في الشوارع بسبب بروز خصلة شعر، يمكن أن يكنّ على هذه الصورة!

على أي حال، فتشتني تلك المرأة جسديًا. قلت لها: «أنا صائمة، أعطني حقيبتي لأفطر». وفي تلك الفرصة الذهبية أكلت كل الأوراق التي كانت معي مع قطعة الخبز الموجودة في حقيبتي، فاطمأنّ قلبي.

ثم بدأت أحتجّ قائلة: «لماذا أنا هنا؟ عائلتي الآن قلقة عليّ…» وكانوا يجيبونني فقط: «انتظري قليلاً». كانوا يتحركون ذهابًا وإيابًا، ولم أكن أفهم ما ينوون فعله. هل كانوا ينتظرون لأن الشارع ما زال مزدحمًا؟

من الساعة العاشرة ليلًا حتى الخامسة صباحًا استمر الاستجواب في ذلك القبو. وكان مع كل سؤال تنهال عليّ اللكمات والركلات. وكنت أكرر: «بأي حق تحتجزونني؟ ليس لي علاقة بالاسم الذي عندكم، أنا جئت من مدينة أخرى». كانوا يسألونني عن العنوان، فأجيب: «لست أعرف العناوين، لأني لا أعرف طهران جيدًا، لكن يمكنني أن أريكم المكان بنفسي».

كنت أريد أن يخرجوني كي أجد فرصة للهروب في ظلام الليل. لكنهم لم يرغبوا في نقلي ليلاً. وأخيرًا قالوا لي: «ارسمي العنوان على الورق، وسنذهب نحن». فرسمت عنوانًا وهميًا وقلت: «تلك الأزقة لها اسمين، لن تتمكنوا من إيجادها بأنفسكم، يجب أن أذهب معكم».

ذهبوا بأنفسهم، وبعد ساعة عادوا وضربوني ضربًا مبرحًا، صارخين: «أنت تكذبين! وهذه صورتك!»

في الساعة الخامسة صباحًا، كبّلوا يدي بالأصفاد، وألقوني في مؤخرة سيارة خاصة، وجلس إلى جانبي اثنان من الحرس، وانطلقت السيارة نحو إيفين.

وعندما دخلنا الطريق السريع المؤدي إلى السجن، غطّوا عينيّ. عندها قررت أن أفتح باب السيارة وأرمي نفسي خارجها مهما كان الثمن. وعندما شعرت أن السرعة عالية، دفعت بيدي وفمي مقبض الباب.

ارتبك الحارس الذي بجانبي، وفقد السائق السيطرة على السيارة، فانحرفت عدة مرات قبل أن تتوقف على جانب الطريق. انهال الحارس عليّ بالضرب وهو يصرخ: «ماذا كنت تريدين أن تفعلي؟»
قلت: «أنتم لا نعرف من أنتم ولا إلى أين تأخذونني، أردت أن أقتل نفسي! أنتم عصابة مجرمين!» وبدأت أصرخ وأحتجّ. استمروا في السير حتى وصلوا إلى سجن إيفين.

يتبع


1. وجيهة عبادي، في 9 مايو/ أيار 1982، استشهدت مع عدد من أعضاء ومسؤولي منظمة مجاهدي خلق، من بينهم حسين جليلي بروانة، فاضل مصلحتي، مهري خانباني (مصلحتي)، حميد لولاجيان، فاطمة أبو الحسني، بهرام قاسمي، زهرا شيخ الإسلام، زهرا طباطبائي، مريم شفائي (جليلي)، علي أنكبيني، فائزة بهاري جوان، زهرا عمرانيان، و….

Exit mobile version