أمهات وزوجات وأبناء ضحايا المجزرة هم الذين يُقتلون معنويًا ونفسيًا كل يوم
وقعت مجزرة السجناء السياسيين في إيران في صيف عام 1988، وكان من بينهم عدد كبير من النساء والفتيات.
وكانت “لجنة الموت” التي كان إبراهيم رئيسي عضوًا فيها هي مهندسة المجزرة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 30,000 سجين سياسي.
ومن ثم، يمكننا أن نقول بجرأة ونحن على يقين تام إن إبراهيم رئيسي كان من المهندسيين الرئيسيين للإبادة الجماعية وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وإن مثوله أمام العدالة ومحاكمته أمر لابد منه.
تمهيد الطريق لمجزرة السجناء السياسيين يبدأ منذ خريف عام 1987
بدأت خطة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين منذ خريف وشتاء عام 1987 بفصل السجناء وتصنيفهم، بيد أن السبب وراء فصل السجناء وتصنيفهم ونقلهم لم يكن واضحًا لأي شخص حتى الأسابيع الأخيرة من هذا العام.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يخطر ببال أحدٍ من السجناء حتى أولئك المحكوم عليهم بالسجن لعدة سنوات أن النية مبيَّتة على ارتكاب مجزرة في حقهم، على الرغم من علمهم بفداحة ما يتعرضون له من أشكال التعذيب البربرية وسلوكيات الحراس اللاإنسانية.
كما يشير عقد مجلس القضاء الأعلى لاجتماعات عاجلة في هذه الخطة الميقاتية إلى نوع من التمهيد لاتخاذ إجراءات جديدة.
مجزرة السجناء تبدأ في 19 يوليو 1988
تم نقل العديد من السجناء من العنابر العامة إلى الزنزانات الانفرادية. وبدأت المجزرة رسميًا في 19 يوليو 1988.
وتم الإعلان رسميًا في 27 يوليو 1988 عن إلغاء جميع الزيارات للسجناء لمدة شهرين وعدم حضور أهالي السجناء لزيارة أبنائهم.
وبدأت «لجنة الموت» عملها رسميًا في سجن إيفين في صباح يوم الخميس الموافق 28 يوليو 1988.

إعدام أول مجموعة من النساء في 20 يوليو 1988
تشرح مذكرة بخصوص سجينات أن حراس سجن إيلام قاموا في 20 يوليو 1988 بإخراج فرح إسلامي وحكيمه ريزوندي ومرضية رحمتي ونسرين رجبي وجسومة حيدري من السجن بحجة أن هذا السجن غير آمن ويجب نقلهن إلى مكان آمن. في ذلك اليوم كنّا نعتقد أنه سيتم نقلهن إلى سجن كرمانشاه أو سجن طهران، بيد أننا اكتشفنا بعد ذلك، أنهم نقلوا السجينات في اليوم التالي إلى تل في ضواحي صالح آباد وأطلقوا النار عليهن”.

حالات الإعدام الجماعي للنساء
وفيما يتعلق بالسجينات في سجن إيفين؛ تم الإبلاغ عن أنه في 27 يوليو 1988 تم استدعاء أشرف فدائي ومنير عابديني ومجكان سربي وفرشتة حميدي، وحوالي 20 سجينة أخرى في عنبر النساء الـ 2 للاستجواب. كما استدعوا بعض السجينات من العنبر الـ 3. وعادت السجينات بعد عدة ساعات وقلن إن الأسئلة التي وُجهت إليهن قديمة وتدور حول مواقفنا ومقدار الأحكام الصادرة علينا. وقلن أيضًا إنهم وضعوا مدفعًا رشاشًا في الفناء المقابل. ونادوا على مريم ساغري خدابرست وزهرا فلاحت بيشه وفريبا عمومي وهما رادمنش؛ من سمَّاعة العنبر في الساعة الـ 11 مساءًا وأخرجوا السجينات من العنبر بتهور. كما أخرجوا بعض السجينات من الزنزانات الانفرادية في منتصف الليل. وحتى ذلك الوقت لم يكن أحد يعلم ماذا كان يجري، بيد أن هؤلاء السجينات لم يعدن على الإطلاق.
وبعد أن بدأت “لجنة الموت” في سجن إيفين عملها في صباح يوم الخميس 28 يوليو 1988، تم إعدام بعض النساء من الزنزانات الانفرادية شنقًا، إحداهن تُسمى سهيلا محمدرحيمي.
وتم إعدام عدد آخر من النساء في سجن إيفين في يوم الخميس 4 أغسطس 1988، ومن بينهن مليحة أقوامي.
وتم إعدام كل من فريبا وفرحناز أحمدي في أصفهان في نفس اليوم.
كما تم إعدام السجينات اللاتي كنّ يعانين من أمراض خطيرة.
فعلى سبيل المثال، كانت طيبة خسرو آبادي مشلولة خلقة. واختل بصر زهرا بيجن يار بسبب ما تلقته من ضربات بربرية شديدة بالكابل على رأسها. وكانت ليلا دشتي مصابة بورم في المخ.
ولا يقتصر عدد ضحايا المجزرة على ذكر الأمثلة.
فعلى سبيل المثال، تم إعدام أكثر من 70 سجينة سياسية شنقًا في سجن كوهردشت في كرج في 13 أغسطس 1988، وتحديدًا في الفترة الزمنية الممتدة من الساعة 7:30 حتى الساعة 21:00.
هذا وتم إعدام مئات السجينات في سجن إيفين في يومي الأحد 14 أغسطس 1988 والإثنين 15 أغسطس 1988.

الطالبات المدرسية من بين المعدومات
يشير متوسط عمر السجينات اللاتي تم إعدامهن في مجزرة عام 1988 إلى أن معظم من تم إعدامهن كنَّ من السجينات اللاتي كنَّ طالبات أثناء القبض عليهن وتتراوح أعمارهن ما بين 16 و 17 عامًا.
وآنذاك قال أحد أعضاء “لجنة الموت” لـ منتظري: “لدينا أيضًا حوالي 20 شخصًا ونيف كانت تتراوح أعمارهن ما بين 16 و 17 عامًا عندما تم الزج بهن في السجن، ويبلغن من العمر الآن 23 أو 24 عامًا … إلخ. “.
وجرت هذه المحادثة في معمعمة المجزرة خلال اجتماع “لجنة الموت” مع منتظري في 15 أغسطس 1988. وتم كشف النقاب عن الملف الصوتي لهذه المحادثة في عام 2016.
فعلى سبيل المثال، كانت كل من ليلا حاجيان وسهيلا حميدي ورؤيا خسروي ومهري درخشان نيا وسهيلا شمس من بين السجينات اللاتي تم إعدامهن وكنَّ يبلغن 16 عامًا من العمر أثناء القبض عليهن.
والجدير بالذكر أن سودابة رضازاده ومهتاب فيروزي وفرحناز مصلحي وبروين باقري أيضًا كنَّ شابات تم اعتقالهن في سن الـ 15 عامًا.
الطالبات والمتخصصات من بين المعدومات
استشهادًا بشهود العيان، كان التركيز في مجزرة عام 1988 ينصب بوضوح صارخ على الطالبات، وتحديدًا المثقفات. ومن ثم، تشكل الطالبات وخريجات الجامعات جزءًا كبيرًا من ضحايا المجزرة، ومن بينهن ما تلي أسماؤهن:
حورية بهشتي تبار، الحاصلة على درجتي ماجستير وشهادة البكالوريوس من جامعات طهران
بروين حائري، الطالبة في الماجستير في اللغة في جامعة طهران
رضية آيت الله زاده شيرازي، الطالبة في قسم الفيزياء
فروزان عبدي، الطالبة في قسم التربية البدنية في طهران، وعضوة المنتخب الوطني الإيراني لكرة الطائرة النسائية
الطبية شورانكيز كريميان، الطالبة في المجال الطبي
فضيلت علامة، الطالبة في قسم الهندسة الإلكترونية
سيمين بهبهاني دهكردي وزهرا شب زنده دار، الطالبتان في المجال الطبي في مجمع طالقاني الطبي بطهران
أعظم طاقدره، الطالبة في قسم الهندسة الكيميائية للعلوم والتكنولوجيا بطهران
مريم كلزاده غفوري وفريبا عمومي، الطالبتان في قسم الرياضيات بجامعة طهران
مهين قرباني، الطالبة في قسم الفيزياء بجامعة تدريب المعلمات بطهران
مينا أزكيا، الطالبة في جامعة تدريب المعلمات
نيرة فتحعليان وعفت إسماعيلي وسودابة منصوري وسودابة شهبر وهما رادمنش، الطالبات من طهران
عمليات الإعدام العائلي
تفيد تقارير السجناء في سجني إيفين وكوهردشت فقط أنهم أعدموا عشرات الأشقاء من الإخوة والأخوات معًا.
ومن بينهم:
ناهيد وحميد تحصيلي، أخ وأخت
فريبا وفرحناز أحمدي، شقيقتان
معصومة ميرزائي وحسين ميرزائي ومصطفى ميرزائي، أخت وشقيقان، كما أعدموا زوج معصومة ميرزائي في نفس الوقت.
وأعدموا في المدن 5 أو 6 أفراد من عائلات غلامي وأدب آواز وحريري ورحيم نجاد وشجاعي وداوودي وبرهاني.
أقارب المعدومين هم الذين يُقتلون معنويًا ونفسيًا كل يوم
إن من أكثر مشاهد مجزرة السجناء السياسيين إيلامًا هو عواقبها وآثارها السيئة على أمهاتهم وآبائهم وأقاربهم.
فعلى سبيل المثال، أصيب عدد من الأمهات بسكتة قلبية بمجرد سماع خبر إعدام أبنائهن، وأصيبت بعضهن بالجنون.
ولم تصدق الكثير من الأمهات إعدام أبنائهن حتى بعد حصولهن على حقيبة المقتنيات والوصية.
فعلى سبيل المثال، أصيبت والدة صفدر آزادمهر بسكتة قلبية بعد سماع خبر إعدامه وفارقت الحياة.
وانتحرت شقيقة صفدر من شدة الحزن ورحلت عن عالمنا.
ويقدم شاهد عيان آخر على المجزرة مثالًا آخر ويقول : اتصلوا بإحدى الأمهات وقالوا لها : لقد تم إطلاق سراح ابنك، وتعالي في اليوم الفلاني لتأخذي ابنك من لجنة زنجان. وقامت الأم بإبلاغ جميع الجيران. وأعدت سيارة مزينة بالورود بمساعدة الجيران. وسرعان ما أعدت حفلة كبيرة ومراسم للترحيب بابنها. ووصلت إلى لجنة زنجان في الوقت المحدد. بيد أن الأوغاد سلموها حقيبة مقتنيات ابنها ومكان دفنه بدلًا من أن تسعد برؤيته. ومنذ ذلك الحين أصيبت الأم بصدمة كبيرة ولم تنطق بكلمة واحدة ولم تبدي أي رد فعل، وحدقت النظر في مكان بعيد وزرفت الدموع من عينيها ببطء.
جريمة لم يُعاقب عليها حتى الآن
إن حقيقة تاريخ إيران تظهر مجزرة واضحة لم يمثل المسؤولون عنها أمام العدالة حتى الآن.
ولم تتم محاكمة مهندسيها ومرتكبيها الرئيسيين ومعاقبتهم بعد.
ولا يزال هناك العديد من الروايات التي لم يُفصح عنها والمشاهد والذكريات من شهود عيان هذه الكارثة الإنسانية المفجعة غير مسجلة حتى الآن. والعديد من الأمهات لا علم لهن حتى بمكان دفن أحبائهن.
والجدير بالذكر أنه لا يمكن إنكار الدور المباشر الذي لعبه إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد لنظام الملالي؛ في هذا الصدد. إذا أنه هو مهندس مجزرة السجناء السياسيين، ويجب إجباره على المثول أمام العدالة مهما كان الثمن.
إن التاريخ لن ينسى أو يغفر جرائم المجرمين.