أخيرًا، ولأول مرة بعد 32 عامًا، طالب الخبراء البارزون في الأمم المتحدة نظام الملالي بالرد على مجزرة عام 1988. والجدير بالذكر أنهم اعتبروا مجزرة السجناء السياسيين في إيران «جريمة ضد الإنسانية».
والجدير بالذكر أن هذه الجريمة التي حدثت في إيران في صيف عام 1988 تعتبر الجريمة الأكبر في القرن بعد الحرب العالمية الثانية.
وصف جيفري روبرتسون، المحامي البارز في الدفاع عن حقوق الإنسان بدرجة مستشار الملكة والقاضي السابق في المحكمة الخاصة للأمم المتحدة في سيراليون؛ مجزرة أكثر من 30,000 سجين سياسي في إيران عام 1988 بأنها أسوأ جريمة ضد الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.
وتجدر الإشارة إلى أن يوم 27 يناير من كل عام هو اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة اليهودية “الهولوكوست”. وفي هذا اليوم، نحيي نحن أيضًا ذكرى ضحايا مجزرة عام 1988 في إيران ونتطلع إلى حدوث انفراجة مفاجئة كبيرة في حركة تقاضي الشعب الإيراني على ضحايا هذه الجريمة ضد الإنسانية التي لم يعاقب عليها أحد حتى اليوم.
أسوأ جريمة ضد الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية
بعد وقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية – العراقية، ارتكب خميني، الولي الفقيه لنظام الملالي في ذلك الوقت، مجزرة بحق كل من كان له علاقة بمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وكان قد تم إعداد خطة هذه المجزرة من قبل، أي أنها جريمة مع سبق الإصرار والترصد حسب نص القانون.
حيث أن خميني الملعون كان قد كتب بخط يده في فتواه المخزية: ” الحكم بالإعدام على كل من متمسك بمواقف مجاهدي خلق في أي مرحلة، …إلخ.”.
بدأت مجزرة عام 1988 في أواخر شهر يوليو، وبلغت ذروتها في الفترة الممتدة من 28 يوليو إلى 14 أغسطس 1988. ثم استمرت في بعض المدن حتى الخريف وحتى العام التالي. ولم يرحم أحد في هذه المجزرة حتى المراهقات والنساء الحوامل.
وكان خميني في عجلة من أمره لتنفيذ الإعدام لدرجة أن العديد من أقاربه والمقربين له شكَّوا في الأمر. فعلى سبيل المثال، دعا حسينعلي منتظري، خليفة خميني وثاني أقوى شخصية في البلاد آنذاك، إلى المرونة وإبطاء وتيرة عمليات الإعدام.
وقال مخاطبًا أعضاء فرقة الموت: «برأيي أن أكبر جريمة ارتكبت في الجمهورية الإسلامية وسوف يدينوننا عليها في التاريخ؛ أرتكبت على أيديكم، وفي المستقبل سوف يذكرونكم في التاريخ ضمن المجرمين…».
والجدير بالذكر أن العديد من كبار المسؤولين في نظام الملالي، من أمثال إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية يستمدون خبرتهم ومكانتهم من إراقة الدماء المروعة في هذه المجزرة.
وبالمثل، كان عليرضا آوائي، وزير العدل أحد أعضاء فرقة الموت في سجني دزفول والأهواز خلال صيف عام 1988.
وكان مصطفى بور محمدي، وزير العدل السابق ومستشار السلطة القضائية الحالي، أحد الأعضاء الرئيسيين في فرقة الموت أثناء ارتكاب مجزرة عام 1988.
استراتيجية التضليل والإنكار
بطبيعة الحال، كانت الغالبية العظمى من الضحايا من أعضاء وأنصار مجاهدي خلق، بيد أن هذا الأمر امتد لاحقًا ليسري على المجموعات الأخرى. ولكن الآن تتم جميع عمليات الإعدام سرًا وفي صمت.
الملالي الحاكمون يتسترون على أسماء الضحايا وأماكن دفنهم.
وفي ديسمبر 1988، أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء الموجة الجديدة من إعدام السجناء السياسيين في الفترة الممتدة من أغسطس حتى سبتمبر 1988. ومع ذلك، لم تتم إحالة هذه القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأدى هذا الصمت إلى جعل نظام الملالي أكثر جرأة على التستر على مصير الضحايا والاستمرار في تبني استراتيجية التضليل والإنكار حتى اليوم.
وبعد 7 سنوات من الحملة العالمية للمقاومة الإيرانية، وتحديدًا في عام 1995، خضع نظام الملالي للسماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة بزيارة إيران. وطالبت المقاومة الإيرانية بالإجابة على 15 سؤالًا أساسيًا تتعلق بأمور متعددة، من بينها عدد القتلى ومكان دفنهم وقضية عدم إبلاغ أسرهم وأقاربهم بأضرحتهم وعنوان المقابر الجماعية، ولكن لم يرد نظام الملالي على هذه الأسئلة الجوهرية حتى الآن.
لأول مرة منذ 3 عقود، يُطلب من نظام الملالي الرد على مجزرة عام 1988
كشفت منظمة الأمم المتحدة في 9 ديسمبر 2020 النقاب عن نص رسالة 7 خبراء في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة طالبوا فيها نظام الملالي بالرد على مجزرة عام 1988 في إيران.
وأعرب خبراء الأمم المتحدة في رسالتهم المؤرخة في 3 سبتمبر 2020 لنظام الملالي عن قلقهم الشديد بشأن الاستمرار في إحجام هذا النظام الفاشي عن كشف النقاب عن مصير ومكان آلاف الأشخاص الذين اختفوا قسريًا ثم تم إعدامهم بشكل غير قانوني.
وأمهل المقررون الخاصون للأمم المتحدة المسؤولين في إيران 60 يومًا لتوضيح ملابسات جميع الأمور التي تم إخطارهم بها. وأشاروا في رسالتهم إلى أنه بعد 60 يومًا، سيتم كشف النقاب عن هذه الرسالة وأي رد يتلقونه من خلال موقع الإبلاغ عن المراسلات. وسيتم تقديم كل هذه الحالات لاحقًا إلى مجلس حقوق الإنسان في النموذج المعتاد للتقرير.
وأكد خبراء الأمم المتحدة على قلقهم، حيث قالوا: “نحن قلقون بشأن وضعٍ من المحتمل أن يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية”. وعلى حد قولهم : ” إذا استمر المسؤولون الإيرانيون في الإحجام عن أداء واجباتهم بموجب القوانين الدولية لحقوق الإنسان، فسوف ندعو المجتمع الدولي للتحقيق في هذه الحالات، بما في ذلك من خلال فتح تحقيق دولي”.
انفراجة مفاجئة كبيرة في حراك المقاضاة للشعب الإيراني
قالت ديانا الطحاوي، مساعدة مدير منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن : ” مراسلات خبراء منظمة الأمم تمثل انفراجة مفاجئة كبيرة. وهذه نقطة تحول في النضال الطويل الأمد للأسر والناجين من الضحايا، وتحظى بدعم من منظمات حقوق الإنسان الإيرانية ومنظمة العفو الدولية لوضع حد لهذه الجرائم والوقوف على الحقيقة وتحقيق العدالة وتعويض الخسائر”.
وكتب خبراء الأمم المتحدة في مراسلاتهم مع المسؤولين الإيرانيين أنهم “يشعرون بالقلق بسبب الاتهامات المتعلقة بإحجام المسؤولين الإيرانيين عن تقديم شهادات وفاة دقيقة وكاملة للعائلات، وتدمير المقابر الجماعية، والاستمرار في تهديد الأسر ومضايقتهم، وعدم إجراء تحقيقات ومحاكمات بشأن جرائم القتل، وبيانات الحكومة التي تنكر هذه القضايا أو تقلل من أهميتها، واعتبار الملالي أن انتقاد عمليات القتل بمثابة تقديم الدعم للإرهاب”.
وأكد خبراء الأمم المتحدة على أنه :”بصرف النظر عن الوقت المنقضي، فإن حالات الاختفاء القسري لا تزال مستمرة حتى يتم البت في مصير وأماكن وجود الأشخاص المعنيين. ولأفراد الأسرة الحق في معرفة الحقيقة بشأن تقدم التحقيق ونتائجه، ومصير ومكان وجود الأشخاص المفقودين وظروف الاختفاء وهوية الجناة. ونؤكد على أن هذه المهمة تنطبق على جميع الأشخاص الذين اختفوا قسريًا أو قُتلوا بشكل غير قانوني، بغض النظر عمَّا إذا كانوا مواطنين أو إرهابيين بموجب ما ينص عليه القانون الوطني أو أنهم يوصفوا بأنهم يمثلون تهديدًا للأمن القومي “.
يجب أن يمثل الجناة أمام العدالة
على الرغم من أن رسالة كبار خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، بيد أنه يجب على الأمم المتحدة اتخاذ المزيد من الخطوات لمحاسبة قادة نظام الملالي. كما أنه نظرًا للطبيعة البشعة لهذه الجريمة وبسبب المناصب العليا التي تبوأها بعض المسؤولين الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في تنظيم هذه المجزرة؛ يطالب الناجون من الضحايا والشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية بإحالة ملف هذه الجريمة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة دولية. ونحن ندعو جميع الدول إلى دعم إحالة ملف مجزرة عام 1988 إلى المجلس المذكور.
ويجب سحب حصانة علي خامنئي وغيره من قادة نظام الملالي. حيث أنه ورئيس جمهوريته، حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي ومسؤولي جهاز المخابرات وقادة قوات حرس نظام الملالي والعديد من قادة وعناصر نظام الملالي الآخرين، جميعهم متورطون في قتل السجناء السياسيين في عام 1988 وفي جميع عمليات الإعدام في الثمانينيات. وبناءً عليه، لابد وحتمًا من أن يمثلوا أمام العدالة بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
ونحن ندعو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق دولي في مجزرة عام 1988. وهذه هي الخطوة الأولى لسحب حصانة مرتكبي أكبر جريمة سياسية في القرن.
والحقيقة المؤكدة هي أن حراك المقاضاة سوف تستمر حتى تتم معرفة كافة تفاصيل هذه الجريمة الكبرى، وعلى وجه الخصوص، حتى يتم البت في قائمة جميع الضحايا ومعرفة أماكن دفنهم، وحتى تقديم جميع المتورطين في هذه المجزرة إلى العدالة.