بعثة تقصي الحقائق حول إيران تبرز الاضطهاد المنهجي للنساء والفتيات
أكدت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق، في أحدث تقاريرها، استمرار القمع الممنهج والمستهدف من قبل النظام الإيراني ضد المعارضين، لا سيما النساء والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
وأشارت نتائج البعثة إلى أن النساء والفتيات الإيرانيات ما زلن الهدف الرئيسي للسياسات القمعية، حيث ازدادت شدة تنفيذ القوانين الصارمة، بما في ذلك فرض الحجاب القسري.
كما شدد التقرير على مسؤولية المؤسسات الحكومية، بما في ذلك قوات الحرس، والباسيج، وشرطة الأخلاق، والسلطة القضائية، في انتهاكات حقوق الإنسان.
ودعت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق إلى استمرار التحقيقات الدولية واتخاذ تدابير للمساءلة، محذرةً من أن الطبيعة الراسخة للقمع في إيران، إلى جانب غياب استقلالية القضاء، تجعل تحقيق العدالة للضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات ممكنًا فقط من خلال الضغط الدولي وآليات المساءلة العالمية.
وفيما يلي نص البيان الصحفي الصادر في جنيف بتاريخ 14 مارس 2025.
إيران: الحكومة تواصل القمع الممنهج وتكثف المراقبة لسحق المعارضة، وفقاً لبعثة تقصي الحقائق الأممية
جنيف – بعد مرور عامين ونصف على انطلاق احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” في سبتمبر 2022، حذرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق حول جمهورية إيران الإسلامية، في تقرير جديد صدر اليوم، من أن الحكومة الإيرانية تواصل تصعيد جهودها لتقييد حقوق النساء والفتيات وغيرهن من المطالبين بحقوق الإنسان، كجزء من حملة منظمة لقمع المعارضة.
وتأتي هذه التدابير القمعية على الرغم من الوعود التي قدمها الرئيس الحالي، ”مسعود بزشكيان“، قبل الانتخابات، بتخفيف التنفيذ الصارم لقوانين الحجاب الإلزامي. وتشمل هذه الإجراءات زيادة استخدام التكنولوجيا والمراقبة، بما في ذلك من خلال تجنيد المراقبة المجتمعية برعاية الدولة، مما يؤدي إلى مزيد من التعدي على الحقوق الأساسية للنساء والفتيات.
ومنذ أبريل 2024، كثفت الدولة عمليات الشرطة والملاحقات القضائية ضد النساء اللواتي يخالفن الحجاب الإلزامي من خلال ما يسمى بـ “خطة نور”. كما استمر تعرض المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات لعقوبات جنائية، بما في ذلك الغرامات وأحكام السجن المطولة، وفي بعض الحالات عقوبة الإعدام بسبب أنشطتهن السلمية الداعمة لحقوق الإنسان.
ووجد التقرير، الذي سيتم تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف في 18 مارس 2025، أن هذه الإجراءات تعكس استمرار سياسة الدولة في اضطهاد النساء والفتيات وقمع حقوقهن في المساواة.
وقالت ”سارة حسين“، رئيسة بعثة تقصي الحقائق:
“لمدة عامين، رفضت إيران الاعتراف بشكل كافٍ بالمطالب المشروعة بالمساواة والعدالة التي أشعلت احتجاجات عام 2022. إن تجريم الاحتجاجات، والمراقبة، والقمع المستمر للمتظاهرين وأسر الضحايا والناجين، ولا سيما النساء والفتيات، أمر مثير للقلق العميق.”
كما استهدفت أعمال الاضطهاد ضحايا التعذيب، والاستخدام المفرط للقوة، وغيرهم ممن تعرضوا لانتهاكات خلال الاحتجاجات، بالإضافة إلى عائلاتهم، حيث تعرضوا للترهيب المنهجي لإجبارهم على الصمت بشأن ما عانوه. كما طالت هذه الممارسات القمعية مناصريهم، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان، والمحامون، والصحفيون. وقد اضطر العديد من هؤلاء المضطهدين إلى مغادرة إيران قسراً.
إلى جانب تكثيف المراقبة، وسّعت الدولة قيودها على الفضاء الرقمي، ومدّت قمعها إلى ما وراء حدود إيران لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم الصحفيون، الذين يرفعون أصواتهم من الخارج، وفقاً لما ورد في التقرير.
حتى الآن، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق 10 رجال في سياق الاحتجاجات، وما لا يقل عن 11 رجلاً و3 نساء يواجهون خطر الإعدام، حتى بسبب أفعال محمية قانونياً، وسط مخاوف جدية بشأن انتهاك الحق في محاكمة عادلة، بما في ذلك استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
راجعت بعثة تقصي الحقائق المعلومات المقدمة من الضحايا والشهود، وكذلك من الحكومة، إضافة إلى البيانات التي جُمعت من خلال تحقيقات مفتوحة المصدر واسعة النطاق حول جهود المساءلة على المستوى المحلي. ووجدت البعثة أنه رغم اتخاذ بعض التدابير، بما في ذلك ملاحقات قضائية ضد بعض عناصر الأمن لاستخدامهم القوة المفرطة، ودفع تعويضات لبعض الضحايا، إلا أن هذه التدابير ظلت متفرقة وغير كافية. والأهم من ذلك، أن الدولة أنكرت إلى حد كبير مسؤوليتها عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي اعتبرتها البعثة في بعض الحالات جرائم ضد الإنسانية. كما يفتقر النظام القضائي الإيراني إلى الاستقلال الأساسي، ويحرم الضحايا وعائلاتهم من العدالة، بل ويواجهون التهديدات المستمرة، والاعتقالات، والملاحقات القضائية.
وقال شاهين سردار علي، الخبير في بعثة تقصي الحقائق:
“على الرغم من أن الحكومة الإيرانية تتحمل المسؤولية الأساسية في تحقيق العدالة للضحايا، فقد سمعنا من عدد لا يحصى من الناجين أنهم لا يثقون في النظام القضائي والقانوني الإيراني لتوفير الحقيقة والعدالة والتعويضات بشكل فعال. ولهذا، فمن الضروري متابعة تدابير المساءلة الشاملة خارج إيران أيضاً.”
وخلال العامين الماضيين، جمعت بعثة تقصي الحقائق وحفظت أدلة واسعة النطاق، شملت أكثر من 38000 مادة إثباتية، وأجرت مقابلات مع 285 ضحية وشاهد.
أكد التقرير مجدداً نتائجه السابقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية. كما حققت البعثة في مزيد من حالات اغتصاب المتظاهرات، بما في ذلك حالات الاغتصاب الجماعي، وكذلك في الوفيات التي صنّفتها السلطات الإيرانية على أنها “انتحارات”، إضافة إلى الاستخدام الواسع للإعدامات الوهمية بحق المعتقلين، والتي ترقى إلى مستوى التعذيب.
وفيما يتعلق بالأطفال، وجدت البعثة أن قوات الأمن لم تميز بين المتظاهرين البالغين والأطفال، حيث تعرضوا لنفس المعاملة، بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للقوة، والتعذيب، وانتهاكات متعددة للحق في محاكمة عادلة.
في تعزيز الأدلة التي تدعم نتائجه السابقة، وجدت بعثة تقصي الحقائق أن الأقليات العرقية والدينية، ولا سيما الأكراد والبلوش، بالإضافة إلى مجتمع LGBTQ+، كانوا مستهدفين بشكل خاص خلال الاحتجاجات، وتعرضوا لانتهاكات وجرائم، بما في ذلك الاضطهاد.
وسّعت البعثة أيضاً نطاق تحقيقاتها في أدوار وهياكل ومسؤوليات الجهات الحكومية، مثل قوات حرس النظام، والباسيج، ووزارة المخابرات، ووزارة الداخلية، وقوات الشرطة (فراجا)، بما في ذلك قواتها الخاصة وشرطة الأخلاق، بالإضافة إلى مكاتب قائممقامية في المحافظات والسلطة القضائية. وقد توصلت إلى نتائج بشأن مسؤولية هذه الكيانات فيما يتعلق باستخدام القوة، والاحتجاز، والمحاكمات الجنائية، وعقوبة الإعدام، وفرض الحجاب الإلزامي. وفي هذا السياق، حققت البعثة أيضاً في مسؤولية الجهات المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية، حيث يتحمل رؤساؤها المسؤولية بحكم أدوارهم وسلطاتهم.
وفي إطار ولايتها لحفظ الأدلة، أجرت البعثة خريطة تفصيلية لهياكل المؤسسات الحكومية، كما جمعت وحللت معلومات حول هويات ومسؤوليات الأفراد المتهمين بارتكاب هذه الانتهاكات، وأدرجتها في قائمة سرية سيتم تسليمها إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة عند انتهاء الولاية.
وإدراكًا لتعقيد واتساع نطاق قضايا حقوق الإنسان في إيران، والتي تتجاوز ولاية بعثة تقصي الحقائق الحالية، يدعو التقرير مجلس حقوق الإنسان إلى النظر في تعيين هيئة جديدة ومستقلة لمتابعة عمل البعثة. وأشار التقرير إلى أن مثل هذه الهيئة يمكن أن تواصل التحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران، سواء الماضية أو المستمرة، والبحث في أسبابها الجذرية، مثل التمييز الهيكلي والمنهجي على أساس الجنس، أو العرق، أو الدين، أو المعتقدات السياسية.
وقالت فيفيانا كرستيشيك، العضو الخبيرة في بعثة تقصي الحقائق: “ سياسات الحكومة الإيرانية حرمت الضحايا من حقهم في الحقيقة والعدالة وجبر الضرر. بالنظر إلى جسامة الانتهاكات في البلاد، والخطر الكبير لتكرار العنف ضد من يعبرون عن المعارضة أو يتحدون الدولة وسياساتها، فمن الضروري أن يواصل مجلس حقوق الإنسان دعمه للضحايا في سعيهم إلى الإنصاف وضمان عدم التكرار”.
وأضافت أن ذلك يشمل تعزيز جميع التدابير اللازمة، وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لمنع المزيد من الانتهاكات، وتعزيز الدور الأساسي للمجلس في الوقاية.
خلفية
في 24 نوفمبر 2022، كلف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بشأن جمهورية إيران الإسلامية بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المرتبطة بالاحتجاجات التي بدأت في 16 سبتمبر 2022، مع التركيز بشكل خاص على أوضاع النساء والأطفال.
وفي 20 ديسمبر 2022، أعلن رئيس مجلس حقوق الإنسان تعيين سارة حسين (بنغلاديش)، وشاهين سردار علي (باكستان)، وفيفيانا كرستيشيك (الأرجنتين) كأعضاء مستقلين في البعثة، وعُيّنت سارة حسين رئيسةً لها.




















