الملاجئ الآمنة في إيران هي معابر مؤقتة، ورغم أنها ترمز ظاهريًا إلى المأوى والدعم، لكنها في الواقع تعكس عدم كفاءة سياسات الحماية والضعف الهيكلي في القوانين الحكومية. فالطاقة الاستيعابية المحدودة، والضغط لإعادة النساء إلى بيئة العنف، ونقص الدعم المالي والرقابة الفعالة، والتهديد المستمر للمراكز غير الحكومية، كلها تشير إلى أن النساء المعنَّفات ما زلن عرضة لخطر جسيم.
النساء والفتيات اللاتي تضررت أجسادهن وأرواحهن بالخوف والرعب وانعدام الأمن والإهانة، واللاتي يغادرن منازلهن وينزحن إلى المنتزهات والشوارع من أجل البقاء، في حين تهددهن عشرات الأضرار الأخرى، لا يدركن حتى أن هناك ملاجئ آمنة يمكن اللجوء إليها؛ وذلك لأن عدد هذه المنازل قليل جدًا وهي تكافح بصمت من أجل البقاء.
وفقًا لـ سيمين كاظمي، عالمة الاجتماع: «عدد الملاجئ الآمنة ضئيل جدًا مقارنة بعدد النساء المعرضات للعنف، وآلية الاستفادة من خدماتها صعبة أيضًا. تتردد الحكومة في إنشاء ملاجئ آمنة ودعم النساء المعرضات للعنف لسببين محددين. السبب الأول نظري وعقائدي، حيث تعتبر التدخل في مجال منع العنف يتعارض مع الحفاظ على مؤسسة الأسرة، ولذلك فإن كل جهود الحكومة، حتى في الدعم القسري للضحايا، تهدف إلى إعادة النساء إلى نفس الأسرة التي كانت بيئة لارتكاب العنف ضدهن. السبب الآخر هو تبني سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة، حيث تُعتبر ميزانيات الدعم زائدة وغير ضرورية ويتم تخفيضها.» (هم ميهن – 21 أكتوبر 2023)
الأرقام المحظورة؛ الواقع الخفي للعنف المنزلي في إيران
تقدم الإحصائيات، رغم أنها ناقصة ومراقبة أحيانًا، صورة مقلقة للعنف ضد النساء. كتبت وكالة “برنا” في 13 أكتوبر 2019: إن واحدة من كل 20 امرأة في بلدنا تتعرض للعنف المنزلي من قبل زوجها. باحتساب أن عدد النساء في إيران لا يقل عن 40 مليونًا، يجب الأخذ في الاعتبار أن مليوني امرأة قد تعرضن للعنف المنزلي.
ووفقًا لآخر الإحصائيات الرسمية حول العنف ضد النساء في إيران، فإن 66% من النساء الإيرانيات يتعرضن للعنف مرة واحدة على الأقل في حياتهن. (فاطمة قاسم بور، رئيسة مركز أبحاث المرأة والأسرة، مقابلة مع وكالة إيسنا، 16 نوفمبر 2018). هذا المعدل من العنف هو ضعف المتوسط العالمي البالغ 33%. ومع ذلك، تستمر الصحف الحكومية في التقليل من هذه الإحصائيات.
أعلن ”محمد رضا محبوب فر“، أحد خبراء علم الأمراض في نظام، أن: «إيران تحتل المرتبة الأولى في العنف المنزلي واليوم لا يوجد أي منزل آمن في إيران.» (موقع ”جهان صنعت“ – 19 نوفمبر 2020)
في عام 2021، بلغ العدد الرسمي لحالات العنف المنزلي، بما في ذلك إيذاء الزوجة وإساءة معاملة الأطفال، حوالي 75 ألف حالة. (سلام نو – 26 يوليو 2022)
تشير سيمين كاظمي، عالمة الاجتماع، إلى انعدام الإحصائيات حول معدل العنف ضد النساء، وتقول: «نتائج البحث الوحيد الذي أُجري على المستوى الوطني في عام 2004 في هذا الشأن، أُتلفت قبل النشر العام. ولذلك، فإن البيانات المتاحة الوحيدة تتعلق ببحوث متفرقة أُجريت على عينات صغيرة. يبدو أن هناك إرادة لعدم إتاحة إحصائيات عن العنف ضد النساء؛ ربما بافتراض أن كتمان الحقيقة يمكن أن يُبطل ضرورة منع العنف.» (هم ميهن – 21 أكتوبر 2023)
وأعلنت ”زهراء بهروز آذر“، نائبة شؤون المرأة والأسرة، في يونيو 2025: «معدل العنف وإيذاء الزوجة بين النساء هو 30 ضعف الرجال، ولا تزال إحصائياته تُحفظ سراً.» (شرق – 11 أكتوبر 2025)
تتحدث ”زهراء افتخار زاده،“ مؤسسة الملاجئ الأمنة غير الحكومية “آتنا”، عن تزايد العنف المنزلي في إيران، وانعدام الإحصائيات الرسمية، والتحديات التي تواجه العمل في مجال دعم النساء المعنَّفات، فتقول: «نحن نواجه تزايدًا في العنف المنزلي، ولكن لا توجد أي مؤسسة رسمية في إيران تتولى مسؤولية جمع بيانات دقيقة في هذا المجال، كما لم تُجرَ بحوث واسعة النطاق. ما لم تكن هناك سياسة وطنية وميزانية محددة، لا يمكن الحصول على صورة حقيقية للعنف المنزلي.» (شرق – 11 أكتوبر 2025)
القانون في صالح العنف؛ الهياكل المعادية للمرأة في النظام الحقوقي الإيراني
إن العنف ضد النساء في إيران هو انعكاس للهياكل القانونية والحكومية التي تدعم كراهية النساء وتقيد المساءلة عن العنف. فالقوانين الحالية، عمليًا، تجعل النساء أكثر عرضة للعنف المنزلي بدلاً من حمايتهن.
مشروع قانون «منع العنف ضد النساء»، رغم طرحه منذ 14 عامًا، لم يُعتمد بعد. ( موقع ”فرارو“ – 19 أكتوبر 2025)
حتى استخدام كلمة «العنف» هو أحد العوامل التي أدت إلى رفض هذا المشروع. تقول ”أشرف كرامي زادكان“، الحقوقية والمستشارة القانونية والبرلمانية لمكتب شؤون المرأة والأسرة، في هذا الصدد: «إدراج كلمة “العنف” في مشروع القانون جعل البعض يقولون إن هناك نظرة “نسوية” إليه.» (شرق – 6 نوفمبر 2025)
عندما لا يتناسب قانون العقوبات مع الجريمة، يرى مرتكبو العنف أنه لا تنتظرهم عقوبة تذكر. في كثير من الحالات، فإن الأحكام الصادرة عن الجهاز القضائي ليست رادعة فحسب، بل هي نوع من التشجيع للمجرم. والد رومينا أشرفي (الفتاة التي قطع والدها رأسها عن جسدها) هو مثال على هذه العقلية؛ حيث قال بوعي إنه إذا قتل ابنته، فسيُسجن لمدة 10 سنوات على الأكثر. ومع ذلك، لم يبق في السجن 10 سنوات وأُطلق سراحه بعد عامين.
منازل ذات أبواب مغلقة؛ الطريق الصعب للنساء نحو الملاجئ الآمنة
لم يكن هناك أي ملاجئ آمنة أساسًا حتى عام 2014. ومنذ عام 2014، عندما سُمح بإنشاء الملاجئ الآمنة الحكومية وغير الحكومية في إيران، وحتى عام 2017، أُنشئ 28 منزلًا، وهي محدودة جدًا من حيث العدد كما أن شروط قبولها صعبة على النساء المتضررات والمشردات. (فرارو – 21 أكتوبر 2023)
الملاجئ الآمن“ لاتقبل القبول المباشر. المرأة التي تشعر أن حياتها في خطر إذا بقيت في المنزل، لا يمكنها الذهاب مباشرة إلى الملاجئ الآمنة، بل يمكنها اللجوء إليه برفقة قوة الأمن وبالتنسيق مع الضابط القضائي وفي حال تأكيد العنف المنزلي. (موقع الشؤون الاجتماعية – 16 ديسمبر 2020)
يمكن لمن تسمح لهم محكمة الأسرة باللجوء إلى الملاجئ الآمنة الحكومية التابعة لمنظمة الشؤون الاجتماعية. عندما لا تستطيع المرأة مغادرة المنزل دون إذن زوجها، لا يمكنها أيضًا اللجوء إلى الملاجئ الآمنة دون إذنه. (دويتشه فيله – 3 مارس 2022)
في ديسمبر 2014، حذّر ”فريد براتي“، نائب رئيس منظمة الشؤون الاجتماعية للوقاية من الأضرار الاجتماعية آنذاك، من أن حجم المراجعات للملاجئ الآمنة في البلاد مقلق للغاية.
أعلنت وكالة “مهر” للأنباء في 19 يونيو 2022 أن هناك 8 ملاجئ آمنة حكومية فقط تعمل في البلاد، وكل مركز لديه القدرة على استيعاب حوالي 5 نساء. هذا يعني أن ما مجموعه حوالي 135 امرأة فقط يمكنهن الاستفادة من هذه الخدمات في وقت واحد. هذا العدد ضئيل جدًا مقارنة بملايين النساء المعنَّفات في إيران.
أعلن سلمان حسيني، رئيس مركز الطوارئ الاجتماعية بمنظمة الشؤون الاجتماعية، أن 28 ملاذًا آمنًا تعمل في 25 محافظة، ورغم تزايد حالات العنف المنزلي، هناك حاجة لإنشاء المزيد من الملاجئ. (شرق – 11 أكتوبر 2025). ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد ملاذ آمن واحد في 6 محافظات، ولم يزداد عدد الملاجئ الآمنة من عام 2014 إلى 2025، أي خلال 11 عامًا.
يقول ”محمود عليكو“، المدير العام للأضرار الاجتماعية بمنظمة الشؤون الاجتماعية الإيرانية: «بدأت الملاجئ الآمنة في جميع أنحاء البلاد عملها بالاستعانة بالمنظمات غير الحكومية منذ عام 2016، وحالياً هناك 8 ملاجئ آمنة حكومية و20 ملاذًا آمنًا غير حكومي تعمل في جميع أنحاء البلاد. الملاجئ الآمنة هي المركز الوحيد الذي يستقبل الأم والطفل في نفس الوقت لمدة 4 أشهر، وبحد أقصى 8 أشهر، بحيث يقيم الأطفال الإناث في أي عمر والأطفال الذكور حتى سن 12 عامًا كحد أقصى مع الأم في هذه المراكز.» (وكالة مهر للأنباء – 19 يونيو 2022)
ووفقًا لتعليمات منظمة الشؤون الاجتماعية، يمكن للنساء المعنَّفات العيش في الملاجئ الآمنة لمدة تتراوح بين 2 إلى 4 أشهر. (الشؤون الاجتماعية – 16 ديسمبر 2020)
حتى في الملاجئ الآمنة الخاصة، يمكن للنساء المتضررات التواجد لمدة عام واحد فقط، وبعد ذلك يجب عليهن مغادرة هذا المكان. (فرارو – 21 أكتوبر 2023)
تقول فريبا درويشي، رئيسة مكتب شؤون المتضررين الاجتماعيين بمنظمة الشؤون الاجتماعية: «القدرة المحدودة للملاجئ الآمنة في البلاد لا تسمح إلا باستقبال 10% من النساء المعنَّفات.» (فراتاب – 13 أغسطس 2025)
إغلاق الملاجئ الآمنة؛ استمرار العنف بوجه رسمي
الملاجئ الآمنة التي يجب أن تكون الملجأ الأخير للنساء المعرضات لخطر على حياتهن وسلامتهن النفسية، هي بحد ذاتها محدودة وضعيفة. في السنوات الثلاث الأخيرة، انخفض اهتمام منظمة الشؤون الاجتماعية بأنشطة الملاجئ الآمنة غير الحكومية إلى الصفر عمليًا. هذا الوضع صعّب بقاء واستمرار نشاط هذه الملاجئ وقلّل الأمل في إنشاء فروع جديدة.
في الفترة من خريف 2021 إلى مايو 2024، أي خلال 32 شهرًا، أُغلقت خمسة ملاجئ آمنة غير حكومية بسبب ضغوط حكومية: ”سراي غزل“ (في شارع نواب)، و”خانة خورشيد“ (في منطقة دروازغار)، ومؤسسة ”نور سيبيد هدايت“ (في ميدان شوش)، ومأوى النساء الليلي (في منطقة دروازغار)، ومنظمة أطباء بلا حدود (في منطقة شارع مولوي). قدمت هذه المراكز الخمسة، التي أنشأها الأهالي والجمعيات غير الحكومية، خدمات للنساء المتضررات. (موقع ”سلامة نيوز“ – 14 مايو 2024)
تواجه الملاجئ الآمنة غير الحكومية نقصًا في الميزانية، وتهديدات أمنية، وضغوطًا مزاجية من المديرين. حتى المراكز التي شُكّلت بدعم من الأهالي والمنظمات الخيرية معرضة للإغلاق. هذه القيود لا تحد من خدمات الدعم فحسب، بل تقلل أيضًا من حافز الناشطين لإنشاء مراكز جديدة. (شرق – 11 أكتوبر 2025)
يقول مؤسس الملاذ الآمن غير الحكومي “آتنا”: «في هذه السنوات، كنا نناضل من أجل البقاء فقط. اضطررنا إلى خفض سقف مطالبنا حتى لا يُغلق باب الملاذ الآمن. لو رفعنا صوتنا أكثر، لما سُمح لنا بمواصلة النشاط في البداية.» (شرق – 11 أكتوبر 2025)
لن يتوقف العنف ضد النساء إلا بإسقاط النظام
تُظهر هذه البيانات بوضوح أن أزمة العنف المنزلي في إيران متجذرة في القوانين والهياكل المعادية للمرأة للحكم. لن تُكسر حلقة العنف ضد النساء في إيران ما لم يُستهدف السبب الرئيسي وراءها، أي نظام الملالي المعادي للمرأة.
في إيران، وخلافًا للعديد من البلدان الأخرى، لا يرتبط العنف ضد النساء بضعف الإدارة أو نقص الميزانية أو قصور الخدمات الاجتماعية أو نقص التدريب. يكمن جذر المشكلة في نظام الحكم نفسه والقوانين المعادية للمرأة التي تنتج وتعيد إنتاج هذا العنف. وينبع عدم اهتمام الحكومة بالحد من العنف من جهة، وتزايده المستمر من جهة أخرى، من هذه الحقيقة تحديدًا.
بمعنى أوضح، المشكلة ليست في عدم الكفاءة الإدارية ولا في نقص الميزانية والموظفين ولا في الجهل، بل إن جذور المشاكل تكمن في “كراهية النساء المؤسسية” في نظام الحكم، والتي تنبع منها كل هذه الفظائع.
ولهذا السبب، فإن الحل الكامل والحقيقي لهذه الأزمة، كما تؤمن به نساء إيران وجميع أفراد الشعب، هو النضال من أجل الاقتلاع الكامل لهذا النظام المعادي للمرأة. فبدون تغيير النظام، ستستمر حلقة العنف ضد النساء في إيران وسيظل الكثيرات بلا حل أو مأوى.
