أسيرةٌ لكنها حُرةٌ أبية: رحلة الصعود والهبوط على مدار 15 سنة لمريم أكبري منفرد
رغم كل المحن والظروف غير الملائمة تواصل مريم أكبري المقاومة بشجاعة لا نهاية لها وروح معنوية عالية وإصرار لا يقهر.
في الـ 30 من شهر ديسمبر 2023 تبدأ مريم أكبري منفرد عامها الخامس عشر في السجن، وقد أمضت 14 سنة بدون يوم عطلة واحد حتى ولو من أجل الرعاية الطبية الضرورية.
وُلِدت مريم أكبري منفرد في 14 ديسمبر 1975 وهي أم لثلاث بنات وواحدة من أكثر السجينات السياسيات مقاومةً، وقد اختارت العيش بحرية وإباء دون خضوع في مواجهة الملالي.
اُقتيدت في منتصف ليل الـ 30 من نوفمبر 2009 إلى سجن إيفين من أجل “تقديم بعض التوضيحات” دون أن يتمكن من توديع بناتها؛ لكنها لم تعد أبداً إلى بيتها.
سبب سجنها هو دعوى مقاضاة لأجل إخوتها الأربعة الذين أعدمهم نظام الملالي الوحشي في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت شقيقتها رقية أكبري منفرد أُماً لطفلة صغيرة عندما سيقت إلى المشنقة وسط سجناء مجزرة الإبادة الجماعية في صيف سنة 1988.

قوس قزح الأمل
طوال السنوات التي قضتها خلف القضبان كانت مريم أكبري على الدوام مصدر إلهام للسجناء الآخرين، بقلبها الواسع سعة البحر المليء بالمشاعر لكل من حولها، وتصفها إحدى رفيقاتها في الزنزانة وهي السجينة السياسية السابقة آتنا فرقداني بأنها إمرأةٌ كانت مقاومتها بمثابة قوس قزح أملٍ لجميع السجناء.
لهذا السبب أرسلها مسؤولو السجن إلى سجن بعيد للحيلولة دون إلهامها للآخرين، وفي 9 مارس 2021 قام مسؤولو السجن بشكل مفاجئ بنقل مريم من سجن إيفين إلى سجن سمنان وسط السجناء العاديين في انتهاك صارخ لمبدأ الفصل بين الجرائم.
وعلى عكس السجناء الآخرين في سجن سمنان حُرِمت من اللقاءات والاتصالات الهاتفية مع العائلة، وكل مكالمة تُجريها يجب أن تكون في حضور مسؤولي السجن والعناصر الأمنية.
تعاني السجينة السياسية مريم أكبري منفرد من أمراض مختلفة نتيجةً لـ 14 سنةٍ سجن، ولا تسمح لها وزارة المخابرات بمراجعة طبيبٍ مختص خارج السجن، وقد وصف له طبيب السجن طعاماً خاصاً، لكن طلبها بشأن الأغذية المناسبة ومراجعتها لطبيب متخصص قد أُهمِل ولم يتم الرد عليه، وقد تدهورت حالتها الجسدية بشدة بسبب نقص التغذية السليمة الملائمة وعدم الحصول على العلاج، كما أنها تعاني من أعراض جانبية مختلفة.

ثمن الثبات والمقاومة
في سبتمبر 2023 حصلت السجينة السياسية مريم أكبري منفرد على أحكام إضافية بسبب قضايا ملفقة من قبل وزارة مخابرات نظام الملالي، وقد حكم الشعبة 101 لمحكمة جنايات سمنان غيابياً على مريم أكبري منفرد بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية نقدية قدرها 150 مليون ريال بتهمة “نشر الأكاذيب في الفضاء الإفتراضي”.
وتتعلق القضية الأولى بفترة سجنها في سجن إيفين، حيث اُتُهِمت بـ “الدعاية ضد النظام”، وفي القضية الثانية والتي تتعلق بحبسها في سجن سمنان اُتُهِمت مريم أكبري فردي بِتُهمٍ من بينها القيام بـ إهانة خامنئي، والدعاية ضد النظام، والتجمع والتواطؤ، ونشر الأكاذيب، وإرباك الرأي العام وتحريض الناس ضد الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.
ويتعلق الاتهام الأخير بالرسائل التي تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي باسم مريم أكبري منفرد.

العد العكسي لالتقاط الأنفاس
وصفت مريم أكبري العام الماضي مشاعرها في رسالة أرسلتها إلى خارج السجن تقول فيها”13 سنة كانت معركة التقاط أنفاس تم قضاؤها ثانية بثانية الأخرى؛ 13 سنة قد أُحصيت يوما بيومه (أي 4 آلاف و745 يوماً) وإحصاؤها يُتعِب الإنسان فماذا لو أراد أن يقضي 4 آلاف و745 يوما واحدا تلو الآخر وسط حرب غير متكافئة! وهذه ليست بقصةٍ من 4000 صفحة، إنما هي واقع الحياة العارية تحت سلطة الفاشيين الذين فرضوها علينا ونحن لا نريد الاستسلام.”
وكذلك كتبت مريم أكبري بشأن انفصالها عن أبنائها تقول: “رغم أنني تمنيت وأتمنى أن يكون وجودي لصيقا مع أبنائي، وأي أُمٍ لا تريد ذلك؟ لكنني لست نادمةً قط بل أنا أكثر إصراراً على مواصلة طريقي، وهذا ما قلته كل مرة في كل جلسة استجواب وتحقيقٍ رسمية وغير رسمية ويسعدني تكراره!”
كتبت مريم أكبري بشأن سر البقاء مقاومةً صامدة: “إذا سألتني كيف نجوت وسط ظلمة العذاب وإرهاق الزمن؟ أقول إن شعلة الإيمان المتقدة داخل قلبي هي التي أبقتني واقفة على قدمي.
وفي وسط هذه الوحدة بأيدٍ فارغة هذه الشعلة الدافئة المتمردة هي ما يريد المحققون اقتلاعها من السجين منذ اللحظة الأولى لاعتقاله… ليتجمد كيان وجوده ويستسلم لنير الاستعباد…
لكنني أبقيتها مشتعلة بالغضب المقدس للتعذيب الذي شهدته وطُبِعَ على حياتي طوال 13 سنةٍ! ضحكت.. وضحكت كثيراً حتى أتمكن ونتمكن من الوقوف بثبات؛ ذلك لأن المقاومة هي قلبنا النابض بالحياة.
الإيمان بالطريق الذي فقدت أختي إخواني أرواحهم من أجله؛ الإيمان بالطريق الذي سلكته والإيمان بقبضات اليد المشدودة وخطى صمود وثبات الشباب الذين يقفون الآن على أرض الشارع بأجسادهم وأرواحهم في مواجهة الدكتاتورية.
نعم، الإيمان ببراءة ومظلومية أُختي وإخواني، الذين لم أعتبرهم أمواتاً أبداً… لقد كانوا وما زالوا الأكثر إحياءاً لي، ولقد أمسكوا بيدي في كل لحظة من لحظات سجني… والآن أجدهم في شوارع إيران…”
في الـ 30 من شهر ديسمبر من هذا العام نؤدي فريضة الإجلال ونُحيي ذكر مسيرة مريم أكبري منفرد ونشيد بشعلة الأمل التي لا تنطفئ، والإيمان الذي لا يختل، والتصميم الثابت لهذه المرأة الإيرانية الشجاعة، وكما كتبت بشكل جميل في ختام رسالتها: “وسأغني نشيد النصر والفتح هنا في اليوم الأخير من قمة جبلٍ كالشمس. الغد لنا.”